لم أستمع إلي أي أغنية وطنية تتسم بواقعية وحقيقية رغم خطورة وحساسية المرحلة التي نمر بها وعنف المواجهات التي نخوضها دفاعا عن حيواتنا ومؤسسات دولتنا ضد الإرهاب ومحاولة فرض شكل سياسي وتنظيمي علينا بالقوة لإدارة البلد والتحكم فيها، فنحن إما أمام أغان راقصة تخلق حالة عامة من الفرح المفتعل، وإما نحن أمام أغان تعبوية أو فلسفية تحلق في فضاء افتراضي لا علاقة له بالواقع، هذا طبعا باستثناءات بسيطة خرجت عن هذا السياق الذي بدا إجباريا لتعبيرنا عن أنفسنا في لحظة عصيبة من لحظات المواجهة.. ولكن ضمن كل ذلك الإطار فوجئنا ببث وإذاعة أغان وطنية يرتجلها بعض جنود الصاعقة المصرية تحكي بطولاتهم وأسماء أهملت المؤسسة المصرية الإبداعية والفنية الرسمية التعبير عنها في أعمال تؤرخ لهذه المرحلة الدقيقة من جهادنا الوطني، وكانت أولي تلك الأغاني (قالوا إيه علينا علينا دولا وقالوا إيه) التي شاعت علي نحو كبير في وسائل الإعلام وأيقظت الناس علي نوع مختلف من الغناء يمثل المرحلة ويعبر عنها، وكانت الأصوات الخشنة لرجال إحدي كتائب الصاعقة تشعر الجمهور بمصداقية وحقيقية مثل تلك الأغنية، فضلا عن ترديدها لأسماء بعض أبطال الصاعقة والقوات المسلحة مثل منسي الأسطورة وشبراوي وحسنين عرسان.. ومؤخرا استمعنا إلي أغنية ثانية للصاعقة أداها محمد بديع مرتجلا بنفس الأسلوب ومحدثا نفس التأثير المزلزل في نفوس من استمعوا إليها، والذي يذكرهم بأن مصر بلدهم في حالة حرب، وأكثر ما اقتحم نفسي وعقلي وأنا أستمع إليها مقطع يقول: (في بلدنا أسود طالعين من وسط غلابة) لأن ذلك المقطع التلقائي الفطري كان واعيا جدا لطبيعة المواجهة فهي تتغني بأسود القوات المسلحة والصاعقة الطالعين من وسط جموع الغلابة فقراء الوطن الذين يعرفون قيمته ويجودون بأنفسهم لتحقيق منعته وانتصاره وبقائه عصيا علي أي مؤامرات، أدرك هذا المقطع ما خجل بعضنا أن يذكره منذ سنوات عن تقاعس وتمنع (دلاليع) الوطن من الأثرياء عن تقديم أي شيء يؤكد مشاركة طبقتهم في المواجهة حتي لو كان أجزاء من ثرواتهم المتراكمة والمكونة لسنوات، لم يعد أمام مصر سوي رجال الصاعقة (الطالعين من وسط غلابة) لكي نتصدي لخطر الإرهاب المتخلف والمتوحش والجامد والرجعي.. وتحيا مصر. لمزيد من مقالات د. عمرو عبدالسميع