يتسابق فى الدول الغربية، وخاصة فى أمريكا، أصحاب الأفكار والتيارات السياسية المختلفة فى استغلال السينما كأداة لنقل أفكارهم. وتجد فى أمريكا اتجاهين متعارضين أساسيين، يحتاج إنتاج كل منهما أن تُخصَّص له سلاسل من الأبحاث والدراسات والمقالات: أحدهما يؤيد فى أفلامه سياسة الهيمنة الأمريكية، ويروِّج لدور البطل الأمريكى بمبالغات تصل إلى نجاحه فى إنقاذ العالم من عدوان دولة مارقة أو جماعة إرهابية أو خطر نووى أو وباء أو ارتطام بجرم سماوى..إلخ، وتعيد هذه الأفلام رسم صورة أمريكا الموصومة بسبب عدوانها على عدد من الدول، من فيتنام إلى العراق، وتطرح تصورات مختلفة عن الدور الأمريكى الحضارى فى هذه الحروب وعن بطولات وتضحيات جنودها، بل أحيانا عن همجية حكومات وشعوب هذه البلاد..إلخ! وأمّا على الناحية الأخرى المتعارِضة، فهناك أفلام أخرى تتناول أعطابا واختلالات متأصلة فى العقلية الأمريكية وسياساتها عبر قرون، ليس فقط فى تعاملها مع العالم، ولكن داخليا ومنذ نشأتها، مثل جرائم البيض فى التفرقة العنصرية، وتجارة العبيد وإذلالهم وامتهان إنسانيتهم، ومذابحهم للهنود الحمر بلا أدنى رحمة، وكذلك فى الأدوار الرهيبة الحديثة لصناع وتجار السلاح وأصحاب الشركات العملاقة وتأثيرهم على البيت الأبيض وعلى الكونجرس وعلى البورصة والصحافة والتليفزيون، وليس فقط بهدف فرض سياسات ضد دول أخرى، بل أحيانا لخداع الشعب الأمريكى وإيهامه بما يفيد التوجهات المطلوبة..إلخ. والحقيقة أن عددا من هذه الأفلام، من كل الاتجاهات المتصارعة، على مستوى عال من الحرفية، من الحدوتة والحبكة والتسلسل المقنع، إلى التقنية العالية فى فنون التصوير والموسيقى المصاحبة والأداء التمثيلى والإخراج..إلخ. وتلزم الإشارة إلى أن الاتحاد السوفيتى منذ تأسيسه قد أدرك خطورة سلاح السينما، حتى إن مجلة (الفيلم السوفيتي) وضعت شعارا لها من عبارة قالها لينين عندما شاهد بدايات الإنتاج السينمائى فى أوروبا، فكتب قائلا: (هذا هو الفن الذى يجب أن نعتمد عليه). ولكن، وبرغم الكمية الهائلة التى انتجها السوفيت دفاعا عن سياساتهم ومواقفهم فى الحرب الثانية، وبرغم فلتات مميزة سينمائيا فإنها إجمالا لم يكن لها تأثير السينما الأمريكية. لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب