الجدل الذي أحدثه استطلاع هلال شوال، جعلنا نحتفل بالعيد مرتين: مرة يوم الأربعاء، والأخرى حين اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي شلالات من التعليقات الساخرة والقفشات الكوميدية، غير المسبوقة، بمجرد أن صدر إعلان الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، بأن الثلاثاء، هو المتمم لشهر رمضان. بعد أن تناقلت صحف ومواقع إلكترونية، عديدة، تصريحات لعلماء، متخصصين في علم الفلك، أكدوا أو رجحوا فيها، استنادًا إلى الحسابات الفلكية، أن يكون اليوم نفسه، هو غرة شوال، أي أول أيام عيد الفطر المبارك!. في زحام شلالات التعليقات والقفشات، التي كشفت مجددًا عن خفة دمنا، نحن المصريين، ذهبنا إلى الموقع الإلكتروني لدار الإفتاء المصرية، ووجدنا سؤالًا قديمًا بأن هناك بحثا عنوانه: الجدلية العلمية بين علماء الفلك وعلماء الشريعة حول بدايات ونهايات الشهور القمرية، أجاب عليه الدكتور علي جمعة محمد، في 10 ديسمبر 2011 بفتوى، أقرب للدراسة العلمية الرصينة، تقع في نحو 12 ألف كلمة، أنهاها الرجل، الذي هو غالبًا، المفتي السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بتأكيده أنها غيض من فيض لما هو قائم في مصر، ويعرفه كل الفلكيين وعلماء الشريعة. وأوضح فيها، بمنتهى البساطة، أن بإمكاننا أن نستدل على وجود الهلال من عدمه من خلال الحسابات الفلكية الموثوق بها، كما أصبحنا نعتمد في الصلاة على المواقيت المحسوبة سلفًا، وننظر في ساعات أيدينا أو ساعات الحائط، دون النظر في موقع الشمس من صفحة السماء، ودون التماس الظواهر الفلكية التي تَنُمُّ عن بدء مواقيت الصلاة ثم نؤذن لها. إثبات ظهور الهلال من عدمه، يمكن تحقيقه بالرؤية البصرية بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من الشهر السابق ممن يُعتَمَد خَبَره وتُقبَل شهادته. أو بالحساب الفلكي، الذي رأت الفتوى، أو الدراسة، أنه أوثق وأضبط من الاعتماد على شاهدين ليسا معصومين من الوهم وخداع البصر، ولا من الكذب لغرض أو مصلحة شخصية مستورة، مهما تحرينا للتحقق من عدالتهما الظاهرة التي توحي بصدقهما. وبشكل أكثر وضوحًا، ذكرت الدراسة أن الشهادة التي تعارض الحساب الفلكي، الآن، هي شهادةٌ على أمرٍ مستحيلٍ حِسًّا؛ لأن الحساب الفلكي القطعي أصبح أمرًا حسيًّا. وأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقومه العرب، كانوا سيعتمدون الحساب الفلكي، لو استطاعوا، إذ ذاك، أن يرصدوا الأجرام الفلكية، وأن يضبطوا دوراتها المنتظمة التي نظمتها قدرة الله بصورة لا تختل ولا تختلف. الفتوى أو الدراسة قامت بفك الاشتباك أو إزالة اللبس بين العرافة والتنجيم والكهانة من جهة، وبين حساب النجوم الذي هو علم الفلك من جهة أخرى. وأوضحت أن علم الفلك حتى لو كان قديمًا فقد اختلط بالعرافة والكهانة عند المشتغلين به، فإنه الآن منفصل عنهما تمامًا، وأصبح أمره متعلقًا بمراصد حديثة، وأجهزة عملاقة تكتشف حركات الأجرام من مسافات تقدر بملايين السنين الضوئية، ومبنيًّا على معادلات رياضية وقوانين كونية وحسابات دقيقة متيقنة هي التي تحدد تلك الحركات بالثانية أو أجزائها، وتخلص علم الفلك الآن من شبهة التنجيم التي توحي بالتكهن بالغيب، وأصبح علم الفلك مبنيًّا على علوم الفيزياء والرياضيات والكيمياء في أعلى مستوياتها الجامعية وما بعدها. اللافت، وما يستحق الإعجاب، وربما إبداء الدهشة، هو أن الفتوى أو الدراسة قامت بتوضيح المعايير القياسية في إنشاء المراصد والمراكز الفلكية، وتعريفها لتلك المراصد بأنها مؤسسات حكومية أنشأتها الدول بقرارات رسمية، وتحوي بين جدرانها أجهزةً وآلاتٍ فلكيةً قديمةً أو حديثةً متطورةً أهمها التلسكوبات التي تُستخدم في عمليات الرصد المختلفة، سواء رصد القمر أو رصد الأجرام السماوية الأخرى، ويقوم بالعمل على هذه الأجهزة فلكيون حاصلون على الأقل على الدرجة الأولى في علم الفلك, البكالوريوس. المؤسسات الفلكية العربية التي تنطبق عليها هذه المواصفات، كما أوضحت الفتوى أو الدراسة، نادرة جدًّا، وجاء على رأسها المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بجمهورية مصر العربية، والذي تم إنشاؤه عام 1903، وكل أعضائه من الفلكيين خريجو قسمي الفلك بكلية العلوم بجامعتي القاهرة والأزهر، ومعظمهم على درجة أستاذ. وهنا، تكون الإشارة مهمة، إلى أن الحسابات الفلكية، التي أعدها معمل أبحاث الشمس، التابع للمعهد، قالت إن هلال شوال تمت ولادته في الساعة الثانية عشرة ودقيقتين، ظهر الإثنين، وظهر بعد غروب الشمس في سماء القاهرة لمدة 6 دقائق. بينما تراوحت فترة ظهوره في محافظات الجمهورية لمدد تتراوح بين 5 و7 دقائق، وما بين 1 و17 دقيقة في العواصم العربية والإسلامية. غير أن رئيس المعهد، الذي أكد أن هذه الحسابات دقيقة ولا تخطئ في حساب بداية ونهاية الشهور الهجرية، ترك الباب مواربًا، بإشارته إلى أن القول الفصل في النهاية لدار الإفتاء. ..وتبقى الإشارة إلى أننا كنا قد اقترحنا على صديقنا وزميلنا محمود بدر، عضو مجلس النواب، أن يتقدم بمشروع قانون ينص على جعل القول الفصل في رؤية الهلال، هلال رمضان أو شوال أو ذي الحجة أو غيرها، للمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية. ونعتقد أن هذه الفتوى أو الدراسة العلمية الرصينة، قطعت نصف أو ثلثي الطريق إلى ذلك. لمزيد من مقالات ماجد حبته