«مسيرة حياة أستاذ جامعى» هو عنوان أحدث كتب الدكتور حماد عبدالله حماد، العميد السابق لكلية الفنون التطبيقية، التى يصفها فى مواقع متنوعة من كتابه ب «الجنة» و«معشوقتى».. وفى سرده لذكرياته فى مسيرته نكتشف قدوة للشباب ونجماً يستحق بجدارة التربع على عرش النجومية فى هذا الوقت الذى تغيرت فيه معايير «النجم».. .. فالمؤلف يتحدث خلال سرده لمسيرته فى الحياة عن بداية علاقته بالتعليم وهو فى الرابعة من عمره عندما كان فى كتاب المحمودية بجوار مدرسة الخديوية بمنطقة الخليج المصرى بالقرب من مسجد السيدة زينب على يد الشيخ محمد مسعود، ويحكى كيف أن جده شاهده وهو يمسك بورقة من الجريدة يقرأ فيها، فكانت سعادة جده لا توصف وترجمها بمصاحبة حفيده لصلاة العشاء بمسجد أم هاشم «السيدة زينب» وبعد خروجهما اشترى له بدلة وقميصا حريرا ووضع له دبوسا على صدره «لزوم الشياكة» وبعد أن اكتملت وجاهته وهيئته أخذه إلى مصوراتى الكواكب أشهر مصور فى الميدان ليلتقط له أول صورة فى حياته، والتى كانت ضمن أوراق دخوله إلى المدرسة الابتدائية، وهى الصورة التى كان لها أكبر أثر فى نفسه، فلولا «القراءة» لما كانت هذه الصورة «الأبهة» التى أطلق عليها المؤلف «صورة الرجل ذى السنوات الأربع».. والتى جعلته شغوفاً بقراءة كل ما يقع تحت يديه حتى ولو ورقة مهملة، وكان أروع ما قرأه القرآن الكريم الذى تعلمه على يد شيخه فى الكتاب، والذى لم يكن يسمح له بأى خطأ فى اللغة العربية «نطقاً وكتابة». يسترجع المؤلف رحلته مع التعليم الصناعى التى بدأت عام 1955 عندما أدخله والده المدرسة الإعدادية بالروضة وما أن حصل على شهادة النقل للسنة الثالثة الإعدادية حتى كان قرار والده بأن ينتقل لمدرسة جديدة لاستكمال تعليمه الإعدادى بها وهى المدرسة التى أنشأها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للتعليم الصناعى وتبدأ من المرحلة الإعدادية لتوفير خريجين يعملون بالمصانع المصرية، فقد كان والده يؤمن بأن هذا النوع من المدارس الفنية أفضل من الثانوى العام، لأن الدراسة بالتعليم الفنى «منتهية» أى أنه يمكن العمل بشهادتها دون الحاجة للاستمرار فى التعليم العالى بتكاليفه العالية، فوقتها لم يكن التعليم مجانياً، وكانت أسرته بسيطة ومتوسطة لا تملك نفقات التعليم العالى.. نذكر هنا أن المؤلف كان يريد أن يكون مهندساً، وهو ما سنكتشفه فيما بعد عندما أصر على الالتحاق بقسم الغزل والنسيج بكلية الفنون التطبيقية الذى يتم قبول خريجيه أعضاء بنقابة المهندسين.. اعتبر كاتبنا أن «القدر أخطأ عندما أدخله فى مدرسة الصنايع» وهو ما كان يسجله على أغلفة كراساته ليذكر نفسه بها، لكن استقباله فى المدرسة بحفاوة لأنه كان حاصلاً على 98% من الدرجات المؤهلة للقبول، ونشاطه مع مجموعة اتحاد الطلبة للدعوة إلى تغيير القرار الصادر باقتصار أحقية استكمال التعليم العالى على العشرة الأوائل فقط.. كل هذا يفسر شخصيته القيادية ومدى نبوغه لحصوله على المركز الأول فى المرحلة الإعدادية صناعية عام 1959 ومشاركته كطفل نابغ فى أول عيد للعلم حينذاك والذى كرمه فيه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومنحه «منحة مجانية».. لقد شعر الكاتب بأن «القدر يصحح خطأه» معه، ومضى بقوة نحو حلم الدراسة بالجامعة رغم أنه شاب فقير من أسرة بسيطة، وكان يعمل فى فصل الصيف حتى بداية العام الدراسى التالى لتوفير بعض النفقات. يتناول الكاتب بعد ذلك مراحل كثيرة فى حياته بتوزيعه على سلاح المهندسين كضابط احتياط مهندس، وبعد انتهاء الخدمة العسكرية عمله كمدير صالة إنتاج قماش الينو القطن بمصنع الشوربجى بإمبابة، ورغبته المجنونة فى السفر إلى المجهول ليقرر السفر إلى روما بعد حصوله على 80 جنيهاً «سلفة» من مالكة البيت! وتتوالى ذكريات المؤلف حتى عودته لمصر وتدريسه بكلية الفنون التطبيقية وتفاصيل أخرى نترك للقارئ وحده متابعتها ليستمتع بها ويستخلص منها العبر والقيم التى تملأ كل سطر من الكتاب.