ارحموا صلاح، فهو ليس فيلسوفا، ولا زعيما سياسيا، ولا رجل دين، ولا قال يوما عن نفسه إنه مناضل أو قديس، أو يقود الرأى العام. صلاح مصري، وطني، مخلص، يعرف قيمة مصر، ويدرك معنى الوطن، والأهل، والانتماء، والأصول، ويحترم رئيسه، وشعبه، ومؤسسات بلده، وسبق أن التقى بالرئيس السيسى فى أكثر من مناسبة، وتبرع بمبالغ طائلة لأوجه الخير المختلفة، وشارك فى حملات توعوية مهمة لصالح شباب بلده، وتعرض بسبب كل ذلك للهجوم وللتطاول أكثر من مرة. لم يضبط يوما متلبسا بإهانة وطنه، أو الإساءة لقيادات بلده، لا فى العلن، ولا من تحت لتحت، وحتى عندما دخل فى خلاف حاد مع اتحاد الكرة بعد مونديال روسيا، كان ذلك انطلاقا من حرصه على سمعة مصر التى تلاعب بها أعضاء هذا الاتحاد، وحولوها إلى تجارة وسبوبة، ولعبة يلهون بها، ولا يقدرون قيمتها، وأثبتت الأيام، وأزمات المنتخب، وجدول الدوري، ومستوى التحكيم، وبطولات إفريقيا، أن صلاح كان على حق. أقول هذا الكلام بمناسبة الهجوم الحاد الذى تعرض له «مو» صلاح بعد مباراة ليفربول وتوتنهام فى نهائى دورى أبطال أوروبا من جانب قطاع غير قليل من المصريين الذين لا أنكر أنهم غيورون على بلدهم ومحبون لصلاح، ممن أزعجهم ظهور نجمهم الأسطورى مع هذه الشخصية «الثعبانية» الكريهة والمكروهة، التى تفرضها علينا وعليه الآلة الإعلامية المعادية لمصر، وتبث تعليقات هذا ال«بنى آدم» مع كل همسة ولمسة لصلاح، وكأنه ولى أمره، أو صاحب الفضل عليه، أو سر تفوقه وتألقه، أو الذى يستقى منه صلاح البركة والحكمة والخلق الرفيع، وربما صحيح الدين أيضا! «تلازيق» أخينا هذا لصلاح لا تنتهي، فهو محلل دائم لمبارياته فى الاستوديو ثقيل الظل الذى يبث من الدوحة، وهو المتحدث باسمه، وهو الراعى الحصرى له، وكأنه قرينه. يفرضونه علينا فرضا، بل ويفرضونه على صلاح نفسه، وتروج له المواقع الرياضية المصرية التى تدار بفكر الألتراس، بمعدل خبر كل ثانية عن صاحبنا. مرة «فلان ينصح صلاح قبل مباراة اليوم»، ومرة «فلان يتوقع أن يحرز صلاح هدفا فى المباراة»، ومرة «فلان بيمسى على صلاح»، ولم يعد ناقصا سوى أن نفتح الحنفية لنجد الأخ إياه وقد نزل منها بدلا من الماء! فى السابق، كان التناقض فى حياة هذا الشخص صارخا، بين فكرة الواعظ المثالى العالم بشئون دينه، وبين اللاعب الذى لا يجد أى غضاضة فى أن يغش ويكذب لإحراز الأهداف والانتصارات، ولكن الآن، التناقضات غريبة، وعجيبة، ومضحكة أيضا، وهم الذين صنعوها. فمن الغريب أن يوضع لاعب محلى كل رصيده «كام» دورى و«كام» بطولة إفريقية، ولم يصل إلى كأس عالم فى حياته، فى مقارنات فنية مع نجم وهداف الدورى الإنجليزي، وأحد أفضل لاعبى العالم، ومن العجيب أن يتم تقديم هارب منبوذ تحيط به علامات الاستفهام من كل جانب، على أنه صديق وفى لشاب وطنى محترم مخلص لبلده، وفقا لخطة «التلازيق» إياها. أما المضحك حقا أن صاحبنا هذا الذى يحركونه كالدمية فى استوديوهاتهم وقنواتهم ومواقعهم، وفقا للخطة، ويلصقونه بصلاح فى الرايحة والجاية، ويصنعون منه «فاسوخة» فى أى شيء له علاقة بالكرة المصرية، هو فى واقع الأمر لا يفقه شيئا، لا فى فنون كرة القدم، ولا فى تحليل مبارياتها، فلا هو مدرب، ولا هو إداري، ولا هو مذيع، ولا يجيد أى لغة أجنبية، ولا يتمتع بأى قبول، حتى «الطلة» التليفزيونية نفسها يفتقر تماما إليها، ولا تفلح معها المساحيق والسيشوارات، ومع ذلك، تجده محللا لمباريات عالمية بجانب عباقرة تدريب كجوزيه مورينيو أو أرسين فينجر، بل وتفرد له مساحة زمنية أكبر منهم، رغم أنهم فى حقيقة الأمر لا يعرفونه، ولم يسمعوا به من قبل، ولا يعرفون أصلا لماذا يجلس معهم، ولكنها رغبة صاحب المحل!. إذن، المشكلة ليست فى صلاح، وإنما فى اللزقة القطرية التى تحاول سحبه، أو احتكاره، أو التمحك فيه، ولكن، أعتقد أنه مدرك لهذه المحاولات تماما، ويتصرف وفقا لذلك، كما أنه يتفهم، بحكم عمله فى بلد كإنجلترا بالذات، أنه لا خصوصية للمشاهير، وأن للخصوصية حدودا. لا تزايدوا على صلاح، ولا تطلبوا منه المستحيل، فهو مهذب وخجول و«ابن بلد»، ولا يستطيع فسخ علاقته بزميل ملعب سابق يفرض نفسه عليه، فنوعية الصاحب «الغلس» هذه موجودة فى حياة كل واحد منا، ونتحملها، ومن الصعب الخلاص منها بلا خسائر. إعذروه، وثقوا فيه، وحافظوا عليه، ولا تثقلوا عليه بالوصايا. لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل