كثيرة هى الكتب التى صدرت عن إعادة اكتشاف الذات وآخرها كتاب الجبل الثانى ..البحث عن الحياة الأخلاقية للصحفى الأمريكى ديفيد بروكس الذى يتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعا منذ طرحه فى الأسواق. يصور بروكس فى كتابه رحلة الإنسان على أنها مقسمة إلى ثلاث مراحل الجبل الأول، ثم الوادي، ثم الجبل الثاني. فى المرحلة الأولى التى عادة ما يكون فيها الانسان مدفوعا بالسعى وراء النجاح والحصول على الجدارة، يتسلق كثيرون الجبل الأول فى رحلتهم الحياتية باحثين عن التفوق المهنى والحب. فى تلك المرحلة يكون التركيز على الاستقلال عن الأبوين وتطوير المهارات الشخصية وتحقيق الذات ودعم الثقة بالنفس، أى فى المجمل نحت هوية ناجحة لأنفسهم. ولكن للأسف عادة ما يكتشف هؤلاء الأشخاص بعد مرور السنوات أنهم غير سعداء وغير راضين عن المهنة التى يعملون بها أو عن شركاء الحياة الذين اختاروهم، وذلك بسبب أنهم انزلقوا مع تيار الحياة دون التوقف ولو للحظة لاتخاذ قرارات بعيدة النظر فيفاجأوا بأنهم غرقى فى المكان الذى وصلوا إليه، على حد وصف بروكس. أما المرحلة الثانية فتصف السقوط فى الوادى الذى يأتى نتيجة حوادث أو خيبة الأمل.وتشمل الحوادث التغييرات الكبرى فى مسار الحياة، مثل فقد الوظيفة أو فقد شخص عزيز أو المرض أو الأزمات المالية أو العائلية الشديدة. أما خيبة الأمل فيصفها بروكس بالنقطة التى يستيقظ عندها المرء ويجد نفسه منفصلا عن حياته وكأنها تنتمى لشخص آخر غيره.فى مرحلة الوادى تأخذ المشاعر السلبية بزمام الأمور ويجد المرء نفسه محاصرا باليأس والتوتر وعدم الرضا والضعف والإحباط وحتى الخدر العاطفي.وأسوأ ما فى تلك المرحلة أن البعض قد يستسلم تماما ويعتبر أن هذا هو قدره ويتحولون إلى شبه أموات يتنفسون ولكنهم لا يعيشون ويصبحون غرباء بالنسبة لأنفسهم وللآخرين. نصل بعد ذلك إلى المرحلة الثالثة أو مرحلة الجبل الثاني، والتى يستمد الكتاب منها عنوانه، والتى تدور حول فكرة البداية الجديدة وإعادة اكتشاف الذات. ويرى الكتاب، الذى يقع فى 300 صفحة، أن تلك المرحلة يجب أن تتمحور حول التخلى عن الأنانية والتفكير فى الآخرين والمشاركة المجتمعية. فاذا كان الجبل الأول يتعلق بتدفق الطاقة من المجتمع إلى الفرد فان الجبل الثانى يتعلق بتدفق الطاقة من الفرد إلى المجتمع. ويرى بروكس أنه فى مرحلة الجبل الثاني، التى يصل إليها الإنسان بعد أن يكون قد تجاوز أزمة منتصف العمر،يكون الاهتمام الأكبر بالقيم والاخلاق أكثر من الماديات.ويختار كثيرون الانضمام إلى صحبة من يشبهونهم ويشاركونهم اهتماماتهم ويكون هدفهم الابتعاد عن أسباب الخلاف والفرقة والعزلة. ويؤكد المؤلف أهمية التواصل والالتزام فى تلك المرحلة من أجل إيجاد المعنى الحقيقى للنجاح والسعادة. ويقدم فى هذا السياق عددا من النماذج، التى التقى بها من الشخصيات العامة، بل جزء من تجربته الشخصية ،ممن وجدوا السعادة فى التخلى عن التفكير بمنطق أنا وماذا أريد وتبنى فلسفة نحن وإسعاد المحتاجين. ولا يقف الكتاب عند حد تطوير حياتنا الشخصية، بل يرسم خطا متوازيا بين الرحلة الفردية وواجب الإنسان نحو تغيير الكوكب الذى يعيش عليه إلى الأفضل. فيذكرنا بضرورة توطيد الروابط الاجتماعية والتضامن عن طريق الاعتماد على الجيرة كنواة للتغيير، موضحا أن التفاعل أوالمشاركة فى الأفراح والأطراح يخلق تاريخا مشتركا ورابطة قد توازى رابطة الدم. وأخيرا يقول بروكس : الغرض من الحياة ليس إيجاد ذاتك بل فقدها! لمزيد من مقالات هناء دكرورى