يمر العالم العربى بأخطر مراحله، خاصة منذ بداية الانتفاضات العربية، سواء فى طبعتها الأولى فى 2011 او فى طبعتها الثانية فى 2019 وتحول مساراتها إلى صراعات وحروب أهلية وأزمات سياسية واقتصادية وزيادة حدة الاستقطاب الداخلي، وما نجم عنها من مقتل أكثر من مليون شخص وجرح أكثر من عشرة ملايين ومثلهم من المهاجرين واللاجئين، وتدمير كامل للبنية الأساسية بما فيها مدن كاملة وما تتطلبه عمليات إعادة الإعمار من مئات المليارات من الدولارات، كما أصبحت المنطقة العربية أكثر ساحات العالم سخونة وتوترا، وتحولت إلى ساحة لصراع المصالح والأجندات بين الدول الكبرى والإقليمية وعلى رأسها الخطر الإيراني، الذى استغل حالة السيولة والهلامية والفراغ فى العالم العربى ليوسع من نفوذه ويمدد تأثيره وهو ما أدى لتداعيات كارثية على الأمن القومى العربي. خطورة التهديد الإيراني، تنبع من عدة أمور، أولها أنه يغذى الطائفية فى المنطقة نتيجة لدعم النظام الإيرانى لجماعات وحركات وميليشيات موالية لنظام ولاية الفقيه وفق مذهب طائفى معين، وهذا ما أدى إلى اشتعال الصراع الطائفى فى المنطقة كما رأينا فى العراق واليمن وغيرهما، وثانيها أن التدخل الإيرانى يهدم أسس الدولة الوطنية العربية، حيث يدعم كيانات وميليشيات موازية وفاعلين من غير الدول تمثل تحديا للدولة الوطنية ومؤسساتها الشرعية، وتحولت تلك الميليشيات التى تدعمها إيران مثل ميليشيا الحوثى الانقلابية فى اليمن وحزب الله فى لبنان والميليشيات فى سورياوالعراق، إلى دولة داخل الدولة وتمتلك أسلحة وتؤثر على صنع القرار فى تلك الدول، والأخطر أن تلك الميليشيات يكون ولاؤها للنظام الإيرانى وليس للدولة الوطنية التى توجد فيها، حيث تقوم بتنفيذ الأجندة الإيرانية على حساب المصالح الوطنية، كما أن وجود تلك الكيانات أدى لتعقد الأزمات العربية وإطالة أمدها مثلما يحدث فى اليمن، حيث تستقوى ميليشيا الحوثى الانقلابية بالدعم الإيرانى فى تحدى الشرعية واستمرار انقلابها منذ 2014 والتعنت فى التوصل إلى حلول سياسية. وبالتالى وجد النظام الإيرانى الفرصة المواتية لإنشاء أذرع عسكرية وأيديولوجية له فى الدول العربية لتفتيتها ولإشاعة حالة من عدم الاستقرار، ويعمل على استنساخ تجربة حزب الله اللبنانى ونقلها للعديد من الدول العربية الأخرى عبر ما يعرف بحزب الله فى البحرينوالكويت.. إلخ، وامتد الخطر والتدخل الإيرانى إلى كل الدول العربية، حيث وقفت إيران وراء التفجيرات التى وقعت فى البحرين وفى الكويت وقامت بتزويد ميليشيا الحوثى الانقلابية بالصواريخ الباليستية التى استهدفت بها المملكة العربية السعودية ووصل الأمر إلى استهداف الأماكن المقدسة فى مكةالمكرمة. كما قام النظام الإيرانى بوضع الدول العربية كساحة صراعه مع الولاياتالمتحدة، فبدلا من مواجهة الضغوط الأمريكية والعقوبات اتجه إلى الاعتداء على الدول العربية.. حيث استخدم أذرعه العسكرية الإرهابية فى استهداف السفن التجارية قبالة المياه الإقليمية للإمارات العربية، كما قام بتزويد ميليشيا الحوثى بالطائرات المسيرة التى استهدفت منشآت حيوية نفطية فى السعودية، فى محاولة لإظهار أنه قادر على وقف صادرات النفط من المنطقة ردا على الاستراتيجية الأمريكية بتصفير صادرات النفط الإيرانية. مشكلة النظام الإيرانى أنه لا يريد أن يعيش كدولة طبيعية رشيدة فى الإقليم عبر علاقات قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، فالدستور الإيرانى ينص على تصدير الثورة، كما أن المفارقة أن النظام الإيرانى فى الوقت الذى يعانى فيه الشعب الإيرانى أوضاعا اقتصادية صعبة بعد انهيار قيمة العملة وارتفاع معدلات البطالة لأكثر من ستين فى المائة، نجده يقوم بتوجيه أموال الشعب الإيرانى لتعظيم دوره فى الخارج ودعم أذرعه العسكرية الإرهابية، كما تستحوذ النخبة الدينية العسكرية التى تضم رجال الدين، فى قم ومشهد، والحرس الثورى وقوات الباسيج على غالبية الثروة فى إيران وتتحكم فى مفاصل الاقتصاد الإيراني. وفى الوقت الذى دعا فيه وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف إلى توقيع معاهدة عدم اعتداء مع العالم العربي، نجد إيران على أرض الواقع تدعم الإرهاب وميليشياتها المسلحة فى المنطقة والتى يشرف عليها فيلق القدس بقيادة قاسم سليمانى ويحركها لإشاعة التوتر فى المنطقة، وتظل المشكلة مع النظام الإيرانى وأذرعه وليس مع الشعب الإيراني. لهذا كله تبرز أهمية القمم الثلاث: الخليجية والعربية والإسلامية، فى مكةالمكرمة، فى تحديد وترتيب مصادر التهديد التى تواجه العالم العربى والإسلامي، وعلى رأسها الخطر والتهديد الإيراني، والذى أصبح المصدر الأول لتهديد الأمن القومى العربى بعد اندحار تنظيم داعش الإرهابي، وبلورة إستراتيجية عربية شاملة، سياسية وعسكرية لمواجهة واحتواء التهديد الإيرانى وقطع أذرع إيران العسكرية التى تنخر فى الجسد العربي. ورغم التحديات والأزمات والمشكلات التى يواجهها العالم العربي، فإن الرهان هو على دول القلب الصلب، خاصة مصر والسعودية والإمارات والكويتوالبحرين والأردن، فى حماية الأمن القومى العربى والحفاظ على تماسك النظام الإقليمى العربي، وإيصال رسالة واضحة للنظام الإيرانى وغيره بأن الدول العربية قادرة على ردع أى عدوان إيرانى أو غيره، خاصة فى ظل سياسة حافة الهاوية التى ينتهجها النظام لإيرانى فى صراعه مع أمريكا والتى تقود المنطقة إلى فصل جديد فى مسلسل الصراع والحروب والدمار. لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد