بدا الأمر كما لو كان السياسيون ورجال الإعلام والصحافة قد خرجوا فى رحلة للصيد البرى فى الريف البريطانى، ثم وجدوا الفريسة، فانقضوا عليها دون رحمة يتنافسون فى توجيه السهام إليها وسلخ جلدها ثم نصب حفلة شواء للاستمتاع بلحمها. هكذا جرى التعامل مع تريزا ماى رئيسة الوزراء فور إعلان عزمها الاستقالة. وذهبت تعليقات كثيرة إلى أنها ربما كانت اسوأ رئيس وزراء على مدى 30 عاما، وتحدثت تعليقات أخرى عن فشلها الأكبر، وهو معركة البريكست أى الخروج من الاتحاد الأوروبى، حيث لم تحقق شيئا.. لا إخراج البلاد من الاتحاد كما طالب الناخبون 2016، ولا الاستماع إلى من دعاها إلى إجراء استفتاء آخر للبقاء. بالتأكيد، لم تأت الانتقادات ضد ماى من فراغ، فالسيدة التى اعتقد كثيرون أنها حديدية على غرار ثاتشر، بدت لا حول لها ولاقوة أمام أعضاء حزبها الذين خاضوا حربا غير معلنة ضدها وأفشلوا كل مقترحاتها لخروج مشرف يحفظ للبلاد ماء الوجه (بما يعنى الموافقة على حل وسط) وأصروا على خروج لا تخسر منه بريطانيا بنسا واحدا، وأيضا أمام المسئولين الأوروبيين الذين قيدوها بشروط والتزامات عجزت عن تسويقها للبريطانيين. ولكن لنتصور شخصا آخر مكانها.. ماذا كان سيفعل؟ لقد ورط أنصار البريكست، ومعظمهم من قادة المحافظين، البلاد فى هذه الأزمة الأخطر منذ العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، فقد قادوا حملة دعائية أقنعوا أكثر من نصف البريطانيين بأن بلادهم هى المستفيدة وأنها لن تتعرض لأى خسائر، وإذا بالمفاوضات بين لندن وبروكسل تثبت العكس وأن بريطانيا الخاسر الأكبر من الخروج. الآن من أيدوا الخروج، هم من يتنافسون على خلافة ماى وعلى رأسهم بوريس جونسون المرجح فوزه بزعامة المحافظين. فماذا سيفعل هو أو غيره لإخراج البلاد والحزب من المأزق الذى يحاكى مأساة شكسبيرية لا فكاك منها. المسألة أكبر من جونسون أو غيره لأنها تتعلق بحزب فقد قدرته على الإنجاز وبلد يعيش بعض قادته فى وهم أنه مازال إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام