«هذا ما جناه على أبى» تلك المقولة تكاد تنطبق على آلاف الأطفال من أبناء مقاتلى داعش الذى لم تتعد أعمارهم خمسة أعوام بعد أن فر آباؤهم وتركوهم يواجهون مصيرهم المجهول بمفردهم، لا سيما أنهم وقعوا تحت فئة المنبوذين دوليا، فلا يرغب أحد فى استضافتهم أو قبولهم، وهو ما جعلهم يعيشون حياة بائسة فى مخيمات المشردين الواقعة فى شرق سورياوالعراق وليبيا، التى تفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة، فهؤلاء الأطفال هم جيل بلا هوية، وهو الأمر الذى يثير التساؤلات بشأن مستقبلهم الغامض، فهل سيتم إيواؤهم والتكفل بهم أم سيتم تهميشهم ليصيروا بمثابة قنابل موقوتة وحلقة جديدة لتفريخ جيل آخر من المتطرفين. وقام العديد من الصحف الغربية بإلقاء الضوء على المأساة التى يعشيها أطفال داعش، خاصة بعد أن رصدت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أخيرا فى تقرير لها أوضاع هؤلاء الأطفال الذين لم يختاروا المكان الذى ولدوا فيه، ولم يختاروا أن يكون آباؤهم متطرفين، فمنذ إعلان هزيمة ما يسمى «الدولة الإسلامية فى العراقوسوريا» يعيش الآلاف من الأطفال الذين ولدوا فى العراقوسوريا مع أمهاتهم داخل المخيمات فى أوضاع مأساوية ومؤلمة، مما جعل كثيرا منهم يلقون حتفهم بسبب الأمراض وانتشار الأوبئة وسوء التغذية. ويواجه أطفال داعش أزمة حقيقية بسبب فقدانهم هويتهم وعدم تحديد جنسياتهم بعد، وهو ما يمثل ذريعة لحكومات دول أوروبا وشمال افريقيا ووسط آسيا التى لها النصيب الأكبر من مقاتلى داعش، للتهرب من تحمل مسئوليتهم. ولذلك يعد التحدى الأكبر بالنسبة لقضية هؤلاء الأطفال هو إثبات جنسياتهم. ففى الغالب لا يوجد لدى الأطفال المولودين فى المناطق التى وقعت تحت سيطرة داعش أى مستندات تدل على هويتهم، بعد أن تم فقدها خلال عمليات القتال، وحتى فى حالة وجودها فهى غير معترف بها دوليا. ولذلك فإن عدم امتلاكهم أى وثائق رسمية يعنى صعوبة حصولهم على الخدمات الصحية والعامة والالتحاق بالمدارس، مما يضعهم فى حالة من الفراغ القانونى، وهو الأمر الذى يثير المخاوف بشأن خطر وجود جيل من المهمشين عديمى الجنسية . كما أن هناك تحديا آخر يتعلق بالسياسات والبرامج المصممة لمساعدة هؤلاء الأطفال المرتبطين غالبا بأمهاتهم زوجات المقاتلين الأجانب، فمعظم الحكومات تتردد فى إعادة الأمهات إلى بلادهن بسبب قلة المعلومات المتاحة حول أدوارهن فى التنظيم، ولذلك فإن ربط مصير الأطفال بمصير أمهاتهم يمكن أن يؤخر من عودتهم إلى أوطانهم. فى الوقت نفسه، يشير التقرير إلى أن الأطفال الذين انضموا إلى داعش من تلقاء أنفسهم هم فى الغالب قصر، ويشكلون معضلة أخرى، فعلى الرغم من أن مشاركة الأطفال وتجنيدهم فى النزاعات المسلحة ليست اتجاها جديدا، فإن ارتباطهم بالجماعات الإرهابية المتطرفة ظاهرة حديثة إلى حد ما، فقد استخدمت داعش هؤلاء الأطفال كجواسيس وطهاة وأحيانا كمقاتلين وانتحاريين، علاوة على تلقى الصبية الأكبر سنا تدريبات عسكرية. ولذلك فإن هؤلاء الأطفال القصر يمثلون أزمة حقيقية حيث يصعب معالجتهم نفسيا وإعادة تأهيلهم ايديولوجيا، ولذلك ينظر إليهم على أنهم قنابل موقوتة، وما يزيد الأمر تعقيدا أن هناك صعوبة بالغة فى تحديد أعدادهم. ولمواجهة خطر هؤلاء الصبية قامت بعض الدول بإلقاء القبض على هؤلاء الأطفال ومقاضاتهم كبالغين بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، حيث تم خفض سن المسئولية الجنائية فى الجرائم المتعلقة بالإرهاب أو ارتباطهم بتنظيم داعش. فعلى سبيل المثال، قام العراق بالقبض على أعداد كبيرة من الأطفال واحتجازهم، بعد أن تم تحديد السن القانونية للمسئولية الجنائية بدءا من سن التاسعة. وتم الحكم على المئات منهم بالإعدام فى محاكمات لم تدم فى الغالب أكثر من دقائق، مما أثار المخاوف بشأن عدم مراعاة الأصول القانونية للمحاكمات العاجلة، حيث إنه بموجب القانون الدولى، يجب أن يكون القبض على الأطفال أو سجنهم تدبيرا أخيرا ولأقصر فترة زمنية ممكنة. وتثير عملية استعادة هؤلاء الأطفال جدلا كبيرا بالنسبة لبعض الدول، فمعظم الحكومات الأجنبية مترددة فى إعادتهم، حيث تواجه أزمة فى توفيق أوضاعها بين الاستجابة لعودة وإعادة إدماج أطفال المقاتلين الأجانب وأولويات الأمن القومى وإجراءات مكافحة الإرهاب، حيث إنه نتيجة الحالة التى سببتها العمليات الإرهابية فقد أصبحت إعادة إدماج أطفال داعش أكثر صعوبة حيث لا يوجد تعاطف معهم. وقد تباينت ردود أفعال الدول بخصوص إعادة إدماج أطفال داعش داخل مجتمعاتهم مرة أخرى، فقد بدت بعض الحكومات أكثر استعدادا لإعادتهم بعد خضوعهم لاختبار الحمض النووى لإثبات نسبهم، وبالتالى جنسيتهم، قبل العودة إلى بلادهم، ومن هذه الدول روسيا وكوسوفو وكازاخستان وإندونيسيا وفرنسا، فى حين سحبت بعض الدول، مثل بريطانيا وأستراليا، الجنسية من مواطنيها الذين يشتبه فى انضمامهم إلى داعش، وتخلوا عنهم وعن أطفالهم فعليا إلى أجل غير مسمى، فقد ألغت وزارة الداخلية البريطانية وحدها جوازات سفر أكثر من 150 شخصا. وأكد عدد من المحللين ضرورة عودة أطفال المقاتلين الأجانب وتلبية احتياجاتهم الخاصة، فهم يرون أن عودتهم ومراقبتهم، تعد أمرا أكثر ذكاء وأكثر أمنا وأكثر إنسانية من تركهم عالقين فى الصحراء، كما دعت إدارة ترامب الحكومات الغربية إلى إعادة مواطنيها، إلى جانب ذلك، فقد اقترح العديد من المسئولين إرسال المحتجزين الذين لا يمكن إعادتهم إلى أوطانهم فى السجن العسكرى فى خليج جوانتانامو، إلا أنه يمكن القول: إن تأثير هذه الدعوات كان محدودا حيث إن المسئولية الرئيسية تقع أولا وقبل كل شيء على الدول، وأيا كانت الحال فإنه على الرغم من كل المخاطر المرتبطة بعودة وإدماج هؤلاء الأطفال داخل أوطانهم فتجب ضرورة تضافر الجهود الدولية للتعاون وتبادل المعلومات والتنسيق بين مجموعات واسعة من الجهات الفاعلة فى مجال حماية الطفل، مثل منظمة اليونيسف، لضمان الامتثال الكامل لتحقيق الإقامة الآدمية لهم، فعملية إدماجهم تعد جزءا لا يتجزأ من الحفاظ على الأمن القومى العالمى، حيث إن تركهم معزولين فى المناطق التى كان يسيطر عليها داعش وافتقارهم إلى الشعور بالانتماء، يمثل تهديدا لا تحمد عقباه فى المستقبل.