رغم أن أزمة تدفق اللاجئين على الدول الأوروبية قد هدأت كثيرا خلال العامين الماضيين، فإن الأحزاب اليمينية المتطرفة التى وجدت ضالتها فى تلك الأزمة لزيادة شعبيتها، تصر على استمرار استغلالها لتحقيق مكاسب أكبر فى انتخابات البرلمان الأوروبى والتى تصورها على أنها مجرد تصويت على ملف الهجرة واللاجئين . وكانت الاحصاءات الأخيرة التى أجرتها الأممالمتحدة قد كشفت عن أن عدد اللاجئين والمهاجرين الذين دخلوا أوروبا قد تراجع ليصل إلى 150 الف شخص خلال العام الماضى وهو ما يقترب كثيرا من النسبة التى كان عليها وضع المهاجرين قبل تفجر أزمة تدفق أكثر من مليون لاجئ ومهاجر على أوروبا فى 2015.وتشير الاحصاءات إلى أنه من المنتظر أن يشهد العام الحالى مزيدا من الانخفاض. وأكد ديميتريس أفراموبولس، المفوض الأوروبى للهجرة فى تصريح له: نعود إلى مستويات ما قبل الأزمة ونحن على الطريق الصحيح. ومع ذلك يتجاهل رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان كل ذلك ويصر على مواصلة سياسة الترهيب من المهاجرين، خاصة المسلمين منهم، ويعلق أهمية كبيرة على انتخابات البرلمان الأوروبى بوصفها نقطة انطلاق للتصدى للخطر الأكبر الذى يواجه القارة، مؤكدا: الوقت قد حان للانتخابات الأوروبية لتكون تصويتا على قضية أوروبية مشتركة عظيمة ومهمة وهى قضية الهجرة ومستقبل أوروبا المتعلق بها. ولكن ما الذى يجعل تحذيرات وتهديدات الشعبويين الأعلى صوتا والأمضى تأثيرا رغم ما تقوله الأرقام ؟الإجابة تكمن فى الفرق بين ما يرويه ويقدمه زعماء الأحزاب اليمنية للناخبين من وعود وما تطرحه الأحزاب التقليدية. فوفقا لجون دالهويسن، الخبير فى شئون الهجرة واللاجئين بجامعة هارفارد الأمريكية يسوق الزعماء اليمنيون قصة بسيطة قوية وشديدة التأثير تتركز حول تعرض أوروبا ل غزو بربرى سيطمس الهوية الأوروبية ويقوض قيمها وتقاليدها العريقة وأن أحزاب اليمين وحدها القادرة على التصدى لهذا الغزو.أما ما يتعلق بمسألة الأرقام والاحصاءات فزعماء تلك الأحزاب يجيدون تماما تطويعها واستغلالها لمصلحتهم بمعنى انه عندما تشير الأرقام إلى ارتفاع نسبة تدفق المهاجرين، فإن ذلك يؤكد أن مخاوفهم مبررة ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أما اذا كشفت الأرقام عن تراجع أعداد اللاجئين فإن ذلك يثبت فاعلية ما يطرحونه ويطبقونه من حلول لمواجهة الأزمة حتى لو كانت الإجراءات التى اتخذتها بعض تلك الاحزاب التى تتولى السلطة فى دول مثل المجر وايطاليا وبولندا قاسية وتتعارض مع حقوق الإنسان. ويشير «دالهويسن» إلى أنه فى الوقت الذى يبدو فيه أن الشعبويين يقترحون ويروجون ويطبقون سياسات تتوافق مع ما يحاولون إقناع الناخب به ،تبدو الأحزاب الرئيسية وكأنها تعانى خمولا وفقدان البوصلة فيما يتعلق بملف الهجرة واللجوء . ويأخذ كثير من المحللين على هذه الأحزاب عدم بذلها جهودا حقيقية لإصلاح سياسات الاتحاد الأوروبى الخاصة بالهجرة واللجوء. كما أن الاقتراحات التى تقدمها للحد من تدفق المهاجرين غير قابلة للتطبيق مثل نشر 10 آلاف جندي إضافى من حرس الحدود أو إقامة نقاط اقامة اقليمية فى إفريقيا أو تعتبر مجرد شعارات فارغة مثل مراكز تحت السيطرة داخل حدود الاتحاد الأوروبى ومن ثم تعطى الانطباع بأنها قدمت من قبل القيام بالواجب فقط وليس من أجل تقديم حلول فعالة. وتوضح كاثرينا بامبرج ،الخبيرة فى شئون الهجرة بمركز السياسة الأوروبية فى بروكسل ،أنه فى حالة فوز الأحزاب اليمنية بمزيد من المقاعد فى البرلمان الأوروبى الجديد فإن ذلك سيعنى مزيدا من التركيز للسيطرة على الحدود وفرض المزيد من الإجراءات المشددة للحد من اللاجئين والمهاجرين.واستعرضت «بامبرج» اقتراح حزب «البديل» من أجل ألمانيا ،الذى فاز بسبعة مقاعد فى انتخابات البرلمان الأوروبى الماضية فى 2014، ببناء حصن فى أوروبا يحميها من سياسات الاتحاد الحالية بشأن الهجرة واللجوء التى تشكل تهديدا وجوديا للحضارة الاوروبية وتعمل على تهميش الأوروبيين. وتعتمد السياسة الجديدة التى يقترحها الحزب للحد من الهجرة واللجوء إلى أوروبا على رفض الميثاق العالمى للهجرة ونظام اللجوء الأوروبى المشترك وحصص استقبال اللاجئين وإعادة طالبى اللجوء إلى بلدانهم الاصلية فى أقرب وقت ورفض نظام «شينجن» وإعادة ترسيم الحدود الوطنية.