مازال بناة السد العالى يتذكرون ملحمة بنائه ودخولهم معركة تحدٍّ ضد الزمن لإنجاز المشروع فى الموعد المحدد، واختار الزعيم جمال عبدالناصر، المهندس صدقى سليمان عام 1962 ليعين وزيراً للسد العالى لما عرف عنه من صرامة وانضباط فى العمل، وهو صاحب لافتة «يا بناة السد العالى لم يبق إلا القليل لتحويل مجرى نهر النيل» فأثار ذلك الحماس فى العاملين ونجح فى معركة التحدى والبناء، وعندما احتاج السد العالى للأيدى العاملة قام بتعيين تلاميذ السنوات الأخيرة بمدارس الصنايع الثانوية عمالا باليومية بقيمة «10 قروش»، واستفادت مصر وقتها بالآلاف من العمال الذين اكتسبوا الخبرة والمهارة من العمل فى بناء السد العالى. الأسطى عبدالكريم كمالى 75 عاما يستعيد ذكريات الماضى الجميل، فيقول: بدأت العمل بالسد العالى سنة 1960 بمرتب 7 جنيهات بعد تعيينى وكانت تكفينى واسرتى بزيادة. وفى عام 62 لاحظ الزعيم الراحل عبدالناصر أن العمل لا يسير بالمعدل المطلوب، فقام بتعيين المهندس محمد صدقى سليمان وزيراً للسد العالي، وأمر بإنشاء معسكرات إقامة «كامب» للعمال المغتربين بالقرب من موقع العمل، وكان يقدم لنا وجبات ساخنة تضم اللحوم او الدواجن والخضار والفاكهة بسعر رمزي، وفى رمضان كانت تقدم وجبتا الإفطار والسحور معا بثلاثة قروش فقط، وكان معظم العمال يصومون رمضان وبعضهم كان يفضل تناول طبق الفول المدمس من كانتين الحاج محمد المناعى بالموقع مقابل «قرش صاغ»، وكان المهندس صدقى سليمان قد أمر بتوقف العمل فى ساعة الإفطار ساعة واحدة للصائمين وعندما يشاهد تكدس العمال أمام محل المناعى كان يتوقف بسيارته ويرسل له مع سائقه عشرة جنيهات كاملة ثمن قدرتى الفول ليتناول العمال طعام الإفطار بالمجان على نفقته يوميا. وربما لا تعرف الأجيال الجديدة من هو وزير السد العالى الذى تخرج فى كلية الهندسة عام 1939 وعمل ضابطا بسلاح المهندسين بعد تخرجه وهو ابن قرية السيفا مركز طوخ بالقليوبية، وهو من مواليد 7 سبتمبر 1919، وتدرج فى الوظائف وكان آخر منصب تولاه قبل وزير السد العالى رئيسا لمؤسسة البناء والحرايات وفور وصوله لموقع العمل بالسد العالى ارتدى «الأفرول» وباشر بوضع جدول زمنى للعمل فى جميع القطاعات وعندما نجح كوزير للسد عين رئيسا للوزراء فى 10 سبتمبر 66، ثم مشرفا على هيئة قناة السويس عام 69 ثم مستشاراً لرئيس الجمهورية عام 70 ورئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات من 71 الى 78، إلى أن وافته المنية عام 96 عن عمر 77 عاماً، وتكريما له اطلقت محافظة أسوان اسمه على أهم الميادين المؤدية الى السد العالى.