فى العام الماضى، حصلت جائزة الشيخ زايد للكتاب على جائزة أوائل الإمارات لعام 2018، تثمينا لدورها الرائد فى خدمة الثقافة العربية منذ تأسيسها عام 2006. هذا التقدير اعتبره الدكتور على بن تميم، الأمين العام للجائزة، تكريما للقراءة والإبداع يمنح الجائزة بأمانتها وهيئتها العلمية ومنتسبى مكتب الجائزة شعورا بالفخر والاعتزاز، فضلا عن مسئولية الجائزة فى مواصلة مسيرتها فى التميز. وعلى مسرح متحف اللوفر أبوظبى، كان حفل تسليم جوائز دورتها الجديدة (الثالثة عشرة 2019) مشهدا دالا على ما يمكن أن تؤديه الثقافة فى التفاعل الإنساني؛ بتجاور فائزين عرب من بلدان مختلفة بآخرين أجانب أخلصوا لدورهم الثقافى فاستحقوا الجائزة الجديد أن جائزة «شخصية العام الثقافية»، وقدرها مليون درهم إماراتى، منحت هذا العام إلى عائلة، هى عائلة «ستيتكيفيتش» التى أسهمت فى نشر وتعزيز مكانة الثقافة العربية خارج العالم العربى. والعائلة تضم الدكتور «ياروسلاف ستيتكيفيتش» الذى نال الدكتوراه فى الأدب العربى عام 1962 من جامعة هارفارد، ويعمل أستاذا للأدب العربى بقسم اللغات وحضارات الشرق الأدنى فى جامعة شيكاغو، وهو أستاذ فى قسم الدراسات العربية والإسلامية، بجامعة جورج تاون فى العاصمة الأمريكية. ومعه زوجته الدكتورة «سوزان ستيتكيفيتش» التى حصلت على الدكتوراه من جامعة شيكاغو عام 1981، وهى رئيسة قسم الدراسات العربية والإسلامية فى جامعة جورج تاون، وهى المحرر التنفيذى لدراسات الأدب العربى، ودراسات بريل فى سلسلة دراسات الآداب فى الشرق الأوسط. كما عملت محررا فى مجلة الأدب العربى، وهى حاليا عضو فى هيئة التحرير. ولها دراسات فى الشعر العربى الكلاسيكى منذ فترة ما قبل الإسلام، ومن مؤلفاتها كتاب «أبو تمام وشاعرية العصر العباسى»، 1991. فى حفل تسليم الجوائز قال الدكتور على بن تميم الأمين العام للجائزة إن فوز عائلة ستيتكيفيتش بشخصية العام الثقافية جاء لاعتبارات أبرزها الإضافة المتميزة التى قدمها الباحثان للثقافة العربية والأدب العربى للناطقين باللغة الإنجليزية، وإحياء لتقليد عربى أصيل لتكريم العائلات التى يشترك أفرادها فى بناء مشروع بحثى معرفى ذى آثار إيجابية فى خدمة الثقافة العربية والتعريف بها، مذكّرا بما عرفه العرب من عائلات استطاع أفرادها النهوض بمشروعات ثقافية ضخمة كعائلة تيمور فى مصر وعائلة البستانى فى لبنان، كما عرف الشعر العربى عائلات شعرية ربطت بينها قرابة الإبداع فى الماضى والحاضر، وهى ظاهرة تكاد تكون قد تلاشت، لهذا تسعى جائزة الشيخ زايد للكتاب إلى تسليط الأضواء عليها. وأشاد باختيار الباحثين للشعر العربى ليكون ميدانا للدراسة والتحليل، وهو مجال يتطلب استعدادا خاصا ومعرفة عميقة بلغة الشعر وما فيها من مجازات وأخيلة تنطوى على محتوى ثقافى متعدد، حيث قدم كل منهما دراسات مرموقة فى هذا الميدان، تؤكد موسوعية اطلاعهما على هذا الفن الذى يعد ديوانا للعرب، كما تكشف عن قراءة نقدية عميقة لهذا الشعر فى ضوء مناهج نقدية حديثة، ومنظور قادر على إدراك تحولات الخطاب الشعرى العربى. للدكتور «ياروسلاف ستيتكيفيتش» مؤلفات منها «صبا نجد: شعرية الحنين فى النسيب العربى الكلاسيكى»، و»العرب والغصن الذهبى» الذى استغرق العمل فيه نحو عشرين عاما؛ لكى ينفذ إلى البدايات المبهمة للتاريخ العربى، ومعرفة التاريخ الفعلى للقبائل العربية البائدة وبخاصة قبيلة ثمود التى استطاع أن يستنقذ تاريخها، ويرمم حكاياتها. وللدكتورة «سوزان ستيتكيفيتش» دراسات فى الشعر العباسى وخصوصا شعر أبى تمام، ولها دراسة عن لزوميات أبى العلاء المعرى. ورأت هيئة الجائزة أن الباحثين استطاعا «خلق حالة إيجابية فاعلة على المستوى العالمى بخصوص قراءة الأدب العربى بين الباحثين فى الغرب، وإعادة النظر فى طرائق قراءة الاستشراق للشعر العربى على نحو يتعامل مع الثقافة العربية بعيدا عن أى مركزية، وبروح بحثية تتحلى بالتسامح والبعد عن أى لون من ألوان التعصب والمواقف المسبقة». وبعد تسلم درع الجائزة قرأت الدكتورة «سوزان ستيتكيفيتش» كلمة تضمنت «التقدير لهذه المؤسسة التى تحيى ذكرى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من جهة، ومن جهة أخرى تسعى إلى امتداد رؤياه للتقدم البشرى والتسامح والتعايش. وخلال معرض أبوظبى الدولى للكتاب، سلم الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان نائب رئيس المجلس التنفيذى لإمارة أبوظبى الجائزة للفائزين بها فى الفروع المختلفة: أولا: فرع «الآداب» للكاتب والروائى المغربى بنسالم حميش عن كتابه فى السيرة الذاتية «الذات بين الوجود والإيجاد». ثانيا: فرع «أدب الطفل والناشئة»، للكاتب الكويتى حسين المطوع عن قصته «أحلم أن أكون خلاط أسمنت». ثالثا: فرع «المؤلف الشاب» للباحث الجزائرى الدكتور عبدالرزاق بلعقروز عن كتابه «روح القيم وحرية المفاهيم نحو السير لإعادة الترابط والتكامل بين منظومة القيم والعلوم الاجتماعية». رابعا: فرع «الفنون والدراسات النقدية» للباحث اللبنانى الدكتور شربل داغر عن كتاب «الشعر العربى الحديث: قصيدة النثر». خامسا: فرع «الثقافة العربية فى اللغات الأخرى» للباحث الأكاديمى البريطانى فيليب كينيدى عن كتابه «الانكشاف فى الموروث السردى العربى». سادسا: فرع «النشر والتقنيات الثقافية» للشاعر الإماراتى محمد بن أحمد السويدى عن دوره فى تأسيس ورعاية المركز العربى للأدب الجغرافى «ارتياد الآفاق». وفى حفل تكريم الفائزين قال بن تميم إن جميع الأعمال الفائزة بالجائزة لهذا العام يتجلى فيها التسامح بأبهى صوره. وانطلق عبدالله ماجد آل على، المدير التنفيذى لقطاع دار الكتب بالإنابة فى دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبى، من باب نشر التسامح، حيث هنيت الإمارات بإرساء هذه القيمة الإنسانية، وهى مهمة لم تتوقف عن أدائها يوما منذ تأسيسها، لإدراكها «دور الثقافة والفكر فى تقريب المسافات بين البشر أينما كانوا. ونحن إذ نحتفل اليوم بتوزيع جوائز الشيخ زايد للكتاب، إنما نضع لبنة فى صرح التسامح والتعايش الإنسانى، ونعزز جهودا متواصلة تبذلها الدولة تشجيعا لتبادل الأفكار والإبداعات والرؤى بين بنى الإنسان، وسعيا إلى فتح كل قنوات التواصل وإيجاد الأرضيات المشتركة التى تسمح بإرساء قيم السلام والمحبة بين الجميع»، مضيفا أن جائزة الشيخ زايد للكتاب «بوصفها الأهم من نوعها فى العالم العربى. قد فتحت التجربة الرائدة للجائزة الطريق أمام شيوع ثقافة التكريم والمكافأة للأدباء والمبدعين فى العالم العربى، ولفتت النظر إلى أهمية صنع حوافز للنخبة المثقفة والمبدعة لتقديم أفضل ما لديها، وبالقدر نفسه تشجيع البحوث والدراسات التى تتناول الثقافة والفكر والإبداع العربى باللغات الأخرى فى أى مكان من العالم... نُكرم كوكبة متميزة من الباحثين والمبدعين، وفى الوقت ذاته نحتفى بما يمثلونه بأشخاصهم، وبما تمثله أعمالهم من قيم إنسانية عليا عبروا عنها كل من زاويته، فى أصالة مشهودة، ودأب لا يفتر، ونفاذ إلى جوهر الموضوعات التى يقاربونها، ويسرى فى هذه الأعمال كلها مسرى الروح يقينٌ بالرسالة التى يتحملها المثقف والمبدع والأديب، والمسئولية التى يتحملها إزاء مجتمعه وإزاء الإنسانية».