لا شك أن جميع الأنبياء والمرسلين لهم قسم ونصيب من محبة الله عز وجل، لكن النصيب الأكبر من المحبة استأثر به- صلى الله عليه وسلم -دون غيره من البشر، بل هو صاحب هذه المرتبة وهو المحبوب الأعظم عند الله-عز وجل. من أدلة ذلك كما يقول الدكتور عبد الغفار عبد الستار رئيس قسم الحديث بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر: أن الله عز وجل كان يعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تمناه قبل أن ينطق به لسانه، فحينما تمنى تحويل القبلة أعطاه الله ذلك، فقال تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ). وحينما هم النبى صلى الله عليه وسلم بطلاق إحدى نسائه خوفا من عدم تحقيق العدل بينهن قال الله عز وجل له (تُرْجِى مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) أى من تريد أن تمسكها أمسكها، ومن تريد أن تطلقها طلقها، ولذلك لما نزلت هذه الآية قالت السيدة عَائِشَةُ: (يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِى هَوَاكَ)، وحينما ننظر فى هذه الآية نجد أن الله عز وجل قال له( ترجي)، ولم يقل له(أرجأ) لأن المقصود هو رفع الحرج عنه صلى الله عليه وسلم فى كل اختياراته، وهذا من كمال محبته سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم. وقد بلغت محبة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه كان يطلب رضاه: ففى تحويل القبلة قال له (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)، ولم يقل (نرضاها) فنسب الرضا إليه صلى الله عليه وسلم، مع أن الحق سبحانه وتعالى هو الغنى عن عباده، لكنه يطلب رضا حبيبه صلى الله عليه وسلم، ويتضح هذا المعنى جليا حينما نقرأ قوله تعالى (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) فسيدنا موسى عليه السلام يطلب رضا الله عز وجل، أما نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال الله-عز وجل له (وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى).