احتفى الشعراء فى كل عصر بقدوم شهر رمضان المعظم، وفاضت أنواره فى قصائدهم حكمة ونصحا وتهللا وفرحا، فهذا الشاعر الكبير محمد التهامى من الشعراء المعاصرين يرى رمضان دواء للأدواء ويستقبله بالترحاب والتشوق والأمل والرجاء: تهادى فى مرابعنا ضياء وأشرق فى مواجعنا دواء وجاء وكلنا شوق تناهى إلى أمل على كفيه جاء ...له نفَس يطهر كل حى ويجعل طينة الدنيا سماء وفى قصيدته «هل الصيام» يفيض التهامى روحانية وألقا، ويتجلى الشهر الكريم فى روحه نورا يحيل الظلام ضياء: هل الصيام يسوق فى خطواته نورا يصفى الليل من ظلماته واشتد فى الأيام منطلق الخطى ليريح دنيانا على نفحاته وفى نفثة روحية أخرى يرى الصوم بحق طوقا للنجاة وسبيلا للطهارة وطريقا للهداية ومعراجا لليقين: الصوم للحيران طوق نجاة وطريقه الهادى إلى الجنات وعليه معراج اليقين إلى الهدى يمتد فوق مهالك الشهوات ويطهر الإنسان حتى إنه روح يكاد يضيء فى الظلمات وفى قصيدته «الله والزمن (رمضان)» فى ديوانه «صوت من الله» يطرح الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل على الشهر الكريم - وقد هل هلاله - عددا من الأسئلة، هى فى الحقيقة تقرير أوصاف وتحقيق أحوال: أضيف أنت حل على الأنام وأقسم أن يُحيا بالصيام؟ نسختَ شعائر الضيفان لما قنعتَ من الضيافة بالمقام ورحت تسن للأجواد شرعا من الإحسان علوى النظام بأن الجود حرمان وزهد أعز من الشراب أو الطعام ويراه فرصة سانحة أمام العصاة المذنبين والبغاة اليائسين للتوبة الصادقة إلى الله والأوبة الخالصة إليه؛ لأن أبواب السماء فيه مفتحة، والدعاء مستجاب: أشهر أنت أم رؤيا متاب تألق طيفها مثل الشهاب تمرغ فى ظلالك كل عاص وكل مُرَجس دنِس الإهاب ...وأنت منارة الغفران يأوى إليك اليائسون من المتاب وعند الله سؤلك مستجاب ولو حُملتَ أوزار التراب وينوه إسماعيل بفضائل الشهر الكريم، وفيوضاته التى تنداح فى النفوس فتفيض على الجوارح مكارم أخلاق ومحاسن أفعال، ويراها سرا بديعا من أسراره العليا: وأنت ملقن الأيدى نداها ومكسبها التراحم والحنينا ...ومنذ تهل ترهبك الذنوب وتختشع السرائر والقلوب ...كأن بكفك البيضاء سرا من النجوى تَكتَّمه الغيوب ويواصل الشاعر الكبير مناجاة الشهر الكريم وقد تجلى فى قلبه وروحه رسولا من الذات المقدسة العلية: سلاما ناسك الزمن القوى من القلب الحزين الشاعريِّ حملت إليك أشواقى وسرى لتحملها إلى الأفق العلى ّ ...طلعت منورا فوق العباد فأيقظ من تشبث بالرقاد شدا لك بالأذان خميل مصر فقم وانشر صداه على البوادى وتفيض نفس الشاعر الجزائرى المعاصر محمد الأخضر محبة وإيمانا فيرى هلال رمضان نورا حبيبا إلى نفسه، ويستقبله بالترحاب والفرح طالبا منه فى اعتزاز بالماضى تذكيرنا بالعهود الإيمانية الأولى: املأ الدنيا شعاعا أيها النورالحبيب قد طغا الناس عليها وهو كالليل رهيب فترامت فى الدياجى ومضت لا تستجيب ذكّر الناس عهودا هى من خير العهود يوم كان الصوم معنى للتسامى والصعود ينشر الرحمة فى الأر ض على هذا الوجود ومن حكايات الصيام الطريفة الجميلة أن الشاعر السورى الكبير عمر بهاء الدين تعرض لأزمة صحية وافقت حلول رمضان فنهاه الطبيب عن الصيام، لكنه قرر أن يصوم، واتجه إلى الله مناجيا: لك الصوم، يا ربى، لك القلب يا ربى فلا تجعلن الصوم يمرض لى قلبي إذا كان بى داء، فحبك بارئى شفاءٌ، وإن الحب أجدى من الطبّ ودخل فى مظلة الحديث القدسى «أنا عند ظن عبدى بى»، فقد وهبه الله تعالى القدرة على الصيام، وشفاه من مرضه فاستعاد صحته. ولغلبة الروح الإيمانية عنده أطلق عليه «شاعر الإنسانية المؤمنة»، ومن شعره فى الصوم وفوائده يدعو إلى الاستقامة والتقوى وإحسان العمل والتداوى بالصوم: جَدِّدْ حَيَاتَكَ بِالصِّيَامِ فَبِالصِّيَامِ غِذَاءُ رُوحِكْ دَاوِالَّذِى تَشْكُو بِتَقْوَى اللَّهِ تَبْرَأ مِنْ قُرُوحِكْ وَاغْنَمْ أُوَيْقَاتِ التَّجَلِّى فِى الطَّرِيقِ إِلَى نُزُوحِكْ ولأن الصيام لا يخلو من مشقة وعناء، وبخاصة إذا وافق أشهر الصيف كما فى رمضان هذا العام، فقد ينصح الناصحون كبار السن بالفطر والفدية بإطعام المساكين، وعلى الرغم من أن الله جعل لعدم القدرة على الصيام رخصة فإن شاعرنا عمر رفض نصيحة الناصحين له بالفطر لأنه بلغ السبعين من عمره وصمم على تحمل مشقة الصيام حرصا على الثواب والأجر، يقول: قَالُوا: سَيُتْعِبُكَ الصِّيَامُ وَأَنْتَ فِى السَّبْعِينَ مُضْنَي فَأَجَبْتُ بَلْ سَيَشُدُّ مِنْ عَزْمِى، وَيَحْبُو القَلْبَ أَمْنَا ذِكْرًا وَصَبْرًا وَامْتِثَالاً لِلَّذِى أَغْنَى وَأَقْنَي وَيَمُدُّنِى.. رُوحا وَجِسْمًا بِالقُوَى مَعْنًى وَمَبْنَي رَمَضَانُ عَافِيَةٌ فَصُمْهُ تُقًى لِتَحْيَا مُطْمَئِنَّا وفى العصر العباسى سمع الشاعر الوزير إسماعيل بن أبى الحسن الشهير بالصاحب ابن عباد من يقول فى رمضان ويتقول، فقال: قد تعدوا على الصيام وقالوا حرم الصب فيه حسن العوايد كذبوا، فالصيام للمرء مهما كان مستيقظا أتم الفوايد موقف بالنهار غير مريب واجتماع بالليل عند المساجد