متى وكيف بدأت الاحتفالات بعيد العمال؟ ، وما هى الذكرى التى نحرص سنويا على إحيائها فى الأول من مايو؟ على عكس المتوقع، لم تخرج أولى الحركات العمالية المتمردة من الاتحاد السوفييتى السابق بأفكاره الشيوعية التى تؤمن بإعطاء الطبقة العاملة نفوذا أكبر فى المجتمع، بل من استراليا وتحديدا فى يوم 21 أبريل عام 1856 فى ملبورن، إذ قام عمال البناء والحجارة فى أنحاء الولاية، بإيقاف العمل والخروج فى مسيرات ضخمة من جامعة ملبورن صوب البرلمان، للمطالبة بخفض ساعات العمل إلى 8 ساعات فقط فى اليوم. وبالفعل، نجحت الحركة فى تحقيق مطالبها، دون خفض الأجور. بعدها انتقلت العدوى إلى كندا، حيث دعا اتحاد تورونتو المطبعى إلى إضرب عام 1872، احتجاجا على ساعات العمل الأسبوعية التى تصل إلى 58 ساعة، وهو الإضراب الذى لقى دعما واسعا من مختلف النقابات العمالية الكندية، البالغ عددها 27 نقابة. وبالرغم من المحاولات الحكومية لإجهاض الحركة، أقر البرلمان فى النهاية قانون النقابات العمالية الذى خفض ساعات العمل الأسبوعية إلى 54 ساعة فقط، ليصبح أول إثنين من سبتمبر من كل عام إجازة رسمية عيدا للعمال. الفكرة لاقت صدى أيضا فى أمريكا، وكانت الشرارة الأولى بحضور زعيم العمال الأمريكى بيتر ماجواير للاحتفالات الكندية عام 1882، إذ نقل ماجواير الفكرة لبلاده، لتخرج أولى مظاهرات «فرسان العمال» بمدينة نيويورك فى أول إثنين من سبتمبر أيضا، تبعها فى اليوم التالى خروج العاملين وأسرهم للتنزه مع ذويهم فى الأماكن المفتوحة. ومع تزايد عدد الولايات المطالبة بالأمر نفسه، وإعلان بعضها اليوم عطلة رسمية بشكل منفرد، اضطر الكونجرس لتمرير قانون يقر أحقية عمال البلاد فى العطلة خلال ذلك اليوم، اعتبارا من سبتمبر عام .1894. الطريف، أن القرار جاء فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق جروفر كليفلاند، الذى كان من المناهضين للاتحادت العمالية وأفكارها، لكنه اضطر لاتخاذ هذا القرار بعدما أسفرت محاولته لفض إضراب للعمال فى شيكاجو، عرف باسم «إضراب بولمان»، إلى مقتل 30 شخصا. وهنا يبقى لغز «الأول من مايو» الذى تحتفل به معظم دول العالم، موضع تساؤل. فى الواقع، تأتى الاحتفالات بذلك اليوم تكريما لسقوط أول ضحايا فى العالم من العمال خلال مسيرتهم للمطالبة بحقوقهم خلال الحركة التى عرفت باسم «8 ساعات»، والتى كانت ترفع شعار « 8 ساعات عمل-8 ساعات للراحة والاستمتاع -8 ساعات للنوم». الحركة خرجت فى أمريكا فى الأول من مايو عام 1886، بمدينة شيكاجو، ومدينة تورنتو الكندية حيث أضرب العمال فى كلتا المدينتين، لكنها انتقلت سريعا إلى باقى الولاياتالأمريكية لتصل إلى 5 آلاف إضراب، مما أثار سخط رجال الأعمال، ودفع الشرطة للتدخل لفضها بالقوة ليسقط 4 قتلى. فى المقابل، خرج المتظاهرون الغاضبون فى اليوم التالى بميدان«هاى ماركت» احتجاجا على استخدام القوة، فتدخلت الشرطة لفض الحشود، وألقى مجهول قنبلة، مما أدى إلى مقتل12 شخصا، منهم 7 من أفراد الأمن. تلت الواقعة محاكمة مثيرة للجدل، إذ تمت مقاضاة 8 من دعاة الإضراب بسبب معتقداتهم السياسية، وليس بسبب التورط فى التفجير، وتم إعدام 7 منهم. تجاوزت «هاى ماركت» حدود أمريكا وأدت إلى مظاهرات غاضبة فى العالم كله تقريبا، كما أحيا المؤتمر الأول لمنظمة الدول الاشتراكية، التى تضم فى عضويتها مجموعة من الأحزاب السياسية ذات التوجه الاشتراكى و العمالى، ذكرى الواقعة وضحاياها. واعترفت المنظمة باليوم كعيد عالمى للعمال يتم الاحتفال به بشكل سنوى، داعية الاتحادات العمالية والنقابية حول العالم لاعتبار اليوم عطلة رسمية للعمال، وذلك اعتبارا من عام 1904. من حينها ، ظل الأول من مايو رمزا لنضال العمال، ويتم استغلال الفرصة السنوية عادة فى تنظيم بعض المظاهرات الاحتجاجية الغاضية احتجاجا على الأوضاع السياسية أو الاقتصادية ، مثل التى تلت الأزمة المالية العالمية فى «وول ستريت». من جانبها، أعلنت الولاياتالمتحدة اعتبار الأول من مايو «يوم للوفاء»منذ عام 1958، تكريما لضحايا الواقعة الذين سقطوا فى سبيل حقوقهم، وذلك إلى جانب الاحتفالات المستمرة بعيد العمال فى سبتمبر من كل عام.