الدكتور مصطفى مشرفة هو أبو علم الفيزياء فى مصر. التقى الدكتور مصطفى مشرفة ألبرت أينشتاين فى بورسعيد، وإذْ يمثل لقاء مشرفة وأينشتاين حدثًا مهمًا للغاية.. غيْر أنه سرعان ما اختزل البعض عبقرية مشرفة فى أنَّه التقى أينشتاين. تمَّ التغاضى عن سيرته العلميّة الكبري، وعن تشييده للعلم المعاصر فى مصر.. والاكتفاء بسطرٍ واحدٍ فى سيرته.. عوضًا عن كتاب حياته الممتلئ. كان أينشتاين أسطورةً حقيقيةً.. لكنّ الإعلام الغربى نجح فى أن يضاعف حجم الأسطورة، وفى أن يفصل بينه وبين عمالقة العلم الآخرين.. بالعديد من السنوات الضوئية. كان الدكتور أحمد زويل أسطورةً حقيقية.. أعظم عالم كيمياء فى العالم على امتداد عقودٍ طويلة.. حصل على جائزة نوبل منفردًا وترشَّح لجائزة نوبل ثانية.. تفرّد فى النظرية وأبدعَ فى التطبيق.. وأسَّسَ بمفرده علمًا كاملاً جديدًا.. هو علم كيمياء الفيمتو. لكنّ الإعلام فى ديارنا نجحَ فى أن يحطِّم جانبًا من الأسطورة.. وأن يُبقى أينشتاين وحده فى علياء الشهرة.. هابطًا بعميد علم الكيمياء فى سنواتِه الأخيرة إلى شخصٍ يتنازع على قطعة أرضٍ.. لأجل بناء جامعة. بدأ عصر الأساطير برحيل أينشتاين، وبدأ عصر الصمت برحيل زويل. لم يعد الدكتور زويل موجودًا بما يليقُ بأعظم عالمٍ فى تاريخنا.. ولكنَّ حجم الأساطير والخرافات التى تعزِّز عبقرية أينشتاين تتوالى يومًا بعد يوم. كثيرٌ ممَّا يقال عن أينشتاين غير صحيح، وكثيرٌ من الأقوال والحِكم المنسوبة غير دقيقة.. كما أن كثيرًا ممّا ينشر عن تشريحه وعن مخِّه ورأسه.. من دون أساس. ولكنَّ العالم كله مستعدٌ أن يسمع ألف أسطورة حول أينشتاين كل يوم. كل لحظة عاشها أينشتاين باتتْ تاريخًا، وكل كلمةٍ قالها ولو كانت من لغو الخطاب باتتْ مصدر تحليل وتفكير. وحين نشرت جامعة برنستون فى 2018 مذكرات أينشتاين التى تشمل ملاحظاته بشأن رحلته إلى آسيا والشرق الأوسط.. كانت كل كلمةٍ فيها حديث الإعلام فى كل مكان. كان علم الفيزياء محظوظًا بأينشتاين، وكان أينشتاين محظوظًا بالإعلام.. دفع أينشتاين العلم إلى الأمام.. وحافظ الإعلام على أينشتاين فى سجل الخالدين.. لا يمرّ يومٌ واحدٌ فى العالم دون ذكرٍ أو إشارة. لم يعد الدكتور زويل موجودًا فى مؤسسات الإعلام عندنا، ولا فى أحاديث الناس فى بلادنا.. تبدو أُمَّتنا وكأنها تحمل تاريخًا عظيمًا وذاكرة هزيلة.. أصبحنا أمّة النسيان.. نحطِّم أوطاننا بالبلادة، ونرمى أبطالنا بالحجارة. إنَّنى واحدٌ ممن يتابعون ما ينشر من حقائق وأساطير حول أينشتاين.. ما يخصُّ العلم وما يخصُّ الفكر والدين. ولقد اندهشت من حجم الموضوعات التى نشرت حول أينشتاين والإسلام ثم أينشتاين والشيعة.. وحول ما إذا كان أينشتاين قد اعتنق الإسلام، على المذهب الشيعي. لقد قادتنى قراءةٌ حول عالم الفيزياء الإيرانى الدكتور محمود حسابي.. إلى قراءاتٍ عن احتمالات تشيّع أينشتاين بعد دراسته المذاهب فى الإسلام.. نشر موقع إيلاف، وموقع قناة العربية، ومئات المواقع العربية والفارسية.. قصصًا عديدة حول مراسلات دارت بين رجل الدين الإيرانى آية الله حسين بروجرودى وبين ألبرت أينشتاين عبْر محمود حسابي. تقول القصص: إن هناك مراسلات بين رجل الدين ورجل العلم.. وأن العالم الإيرانى إبراهيم مهدوى حاول شراء المراسلات من سمسار وثائق يهودى مقابل ثلاثة ملايين دولار.. لكن الصفقة لم تتمّ. وحسب محمد باقر المجلسى فى كتابه بحار الأنوار الذى ترجمه شقيق شاه إيران حميد رضا بهلوي.. فإنَّ: النسبيّة ظهرت أولاً فى آثارٍ شيعية حول معراج الرسول (صلى الله عليه وسلم).. عند ارتقاء النبى من الأرض تصطدم رجله أو عباءته بآنيةٍ من الماء.. وتنقلب فتهرق الماء. وعند رجوعه (صلى الله عليه وسلم) من المعراج يشاهد الماء مازال يجرى من الآنية رغم مرور الوقت.. وهذه دلالة على نسبية المكان والزمان. وحسب كتاب بحار الأنوار أيضًا.. فإن عقيدة المعاد الجسماني، أى بعث الموتى بأجسادهم وأرواحهم معًا.. وما جاء فى علوم آل البيت من مئات السنين حول حركة النور والجسد.. يؤكده أينشتاين فى إمكانية تحول المادة إلى طاقة.. والطاقة إلى مادة. ولقد كان ذلك سببًا فى إسلام أينشتاين على المذهب الشيعى الاثنا عشري! لا يوجد ما يؤكد شيئًا من ذلك.. لا المراسلات.. ولا الإسلام.. ولا تشيّع أينشتاين.. لكنّ أسطورة أينشتاين نجحت فى أن تمتد عبْر الجغرافيا وعبْر الثقافات والأديان والمذاهب.. لتملأ العالم وتشغل الناس. أصبح كل حرف نطق به أينشتاين وكأنه نصٌّ. وكل هفوة صدرت من أينشتاين وكأنها حكمة.. وحتى صورته وهو يخرج لسانه للكاميرا أصبحت واحدة من أكثر الصور شهرة فى العالم. لم يكن العالم الأسطورة ألبرت أينشتاين يملك معرفة مهمة خارج العلم.. ولكن جرى تصويره بالذى يعرف كل شيء عن كل شيء، وبالذى يُحصى كل مجالٍ علمًا. وعندنا.. جرى تصيّد كلَّ حرفٍ للعالم الأسطورة أحمد زويل.. جرى تضخيم كل هفوة وتجريم كل حركة.. وهبطَ البعض إلى حد القول إنه مجرد مدرس كيمياء كان محظوظًا بالسفر للولايات المتحدة. لقد كان من حظّى أنّى حررت مذكرات الدكتور أحمد زويل عصر العلم والتى كتب مقدمتها الأستاذ نجيب محفوظ.. وشاهدت كيف تعاملت قامات بوزن نجيب محفوظ وفاروق الباز ومجدى يعقوب ومصطفى السيد ومحمد غنيم مع الدكتور زويل. ثم كان من حظّى أنّى شاهدت أيضًا كيف تعامل المجتمع العلمى الأمريكى والأوروبى مع الدكتور زويل. إنّ الدكتور زويل أكثر من أسطورة.. ولكنّ الأسطورة صادفتْ تلك الحالة العبثيّة العربيّة.. التى تبنى وجودها، وتبذل قصارى جهودها من أجل هدف واحد: الحياة عند مستوى الصفر. لقد نجحتْ أمّتنا فى قتل كل أسطورة جاءت من بيننا.. لتنضَّم - فخورةً - إلى تعظيم أساطير الآخرين.. العبقرية عندهم ولا عبقرية عندنا.. البقاء لهم والغياب لنا.. هم بلاد المجد ونحن بلاد العدم. حان الوقت لنعيد الاعتبار إلى أنفسنا.. إلى علمائنا وعظمائنا.. إلى الذين أعطونا المهابة والمكانة. حان الوقت لإنهاء حرب الإهمال لمصادر الفخر فى بلادنا. العلم هو الحل. لمزيد من مقالات أحمد المسلماني