علي العكس من كل الناس, عندما يأتي عام جديد, لا ألعن القديم أو أتبرأ من أيامه, وأمحو من الذاكرة كل أحداثه, ولا أنطلق كذلك في التفاؤل بعام مختلف تماما ليس فيه إلا أحداث سارة ومفاجآت رائعة.. لن أفعل ذلك لأنني أؤمن بأن ما مضي جزء من حياتي, وكل ما فات وانقضي بحلوه ومره جزء من خبراتي, ونجاحي أو إخفاقي لابد أن يكون درسا مستفادا في اختياراتي. ولن أفعل ذلك لأنني أثق بأن النظرة للوراء واجبة قبل الانطلاق للأمام, حتي ونحن نقود السيارة رغم أننا نسير للأمام إلا أننا لا نكف عن التطلع فيما حولنا من مرايا, لنتخذ قرارا بالانحراف يمينا أو الاتجاه يسارا, أو التهدئة أو حتي التوقف تماما. ولن أفعل ذلك لأن التأكيد علي عام مليء بالخير الدائم المستمر نوع من التفاؤل الساذج, وضرب من ضروب المستحيل.. مكانه في الجنة لا في واقع الحال, فلا مفر من وعكة صحية لا قدر الله تداهمك, أو حبيب يهجرك, أو جار يقرفك, أو زميل يكيد لك, أو صديق يغدر بك, أو مال يضيع منك.. ولكل منا نصيب من الأحداث المؤلمة, ولكن إذا تكرر وقوعها, يجب ألا نكرر نحن ذات ردود أفعالنا, وسوء اختياراتنا. فالماضي لا يجب أبدا أن نمحوه بل نتذكره ونقف أمامه, لا لنبكي أو نندب حظنا, أو نوبخ من حولنا ونتحسر علي ما راح منا, ولكن لندرس ونعتبر ونفهم أخطاءنا, ونصحح أي قصور في مسارنا.. ومن أجل هذا جاء القرآن الكريم حافلا بقصص الصالحين والطالحين, وأحوال الأقوام, لا من أجل التسلية, وانما للعظة والاعتبار. فإذا ما انتهي استخلاص دروس الماضي.. علينا أن نضعه بسرعة جانبا, وننتظر عاما أفضل لأننا بالتأكيد اكتسبنا رؤية أفضل.