فى صباح 10 مايو 2018 بتوقيت المملكة المتحدة اعتذرت الحكومة البريطانية على لسان رئيسة الوزراء، والمدعى العام أمام مجلس العموم البريطانى للإرهابى عبد الحكيم بلحاج أحد عملاء قطر وتركيا فى طرابلس، وأحد قيادات القاعدة سابقاً، وميليشيات الإخوان حاليا، وأكبر لصوص ليبيا الذى أسس شركة طيران خاصة (الأجنحة) بالأموال المنهوبة بعد سقوط القذافى، ومسئول التنسيق بين الفصائل الليبية فى طرابلس والرئيس التركى رجب طيب أردوغان. وجاء الاعتذار البريطانى غير المسبوق عن أفعال قامت بها المخابرات البريطانية MI6 عام 2004 حين خطفت من تايلاند عضو القاعدة الهارب من أفغانستان عبد الحكيم بلحاج وزوجته السيدة فاطمة بودشار التى كانت حاملا حينها، وتم تسليمهما للقذافى الذى أفرج عنه بعد مدة قصيرة. هذا الاعتذار الذى قامت به سلطات الدولة البريطانية الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية يجب أن يتم الوقوف عنده، لأن السياسة البريطانية دقيقة الحسابات، كل أفعالها تتم بحكمة شديدة تأخذ جميع المتغيرات فى الحسبان. إن هذا الاعتذار من السلطات البريطانية الثلاث هو عملية تبييض سياسى لعبد الحكيم بلحاج، فبعدها لا يستطيع أحد أن يصفه بالإرهاب أو الفساد، لأن بريطانيا ستعوضه بمبلغ نصف مليون جنيه إسترلينى عن انتهاك حقوق إنسان شريف غير متهم أو مدان. فهل حدثت عملية التبييض السياسى لعبد الحكيم بلحاج ليتم إعداده لمواجهة الجيش الوطنى الليبى عند دخول طرابلس كما تم إعداده سابقا لمواجهة القذافي؟ بالأمس القريب عندما أوشك الجيش الوطنى الليبى على تحرير مدينة درنة فى الشمال الشرقى لليبيا من تنظيمات داعش والقاعدة المتحالفة مع تنظيم الإخوان الفاشل، والتى تعمل جميعها لتنفيذ أجندة الحكومتين التركية والقطرية, مع بداية عملية تحرير درنة انعقد مجلس الأمن الدولى ليناقش الوضع الإنسانى فى درنة....وكأن ما يقوم به الجيش الوطنى الليبى هو الذى يُخشى منه على الوضع الإنسانى، وما كانت تقوم به العصابات المجرمة من قتل للأبرياء فى ليبيا ومصر هو الإنسانى عينه، وهو القانونى نفسه, لذلك لم يحرك مجلس الأمن الدولى له ساكناً منذ ثمانى سنوات، واليوم ينعقد مجلس الأمن مع بداية عملية تحرير طرابلس العاصمة من الميليشيات العميلة لتركيا وقطر، التى عاثت فى الأرض فسادا طوال السنوات الثمانى الماضية, ينعقد مجلس الأمن لمناقشة الوضع الإنسانى فى طرابلس، هو ذات المجلس الذى رفض أن ينظر فى الوضع الإنسانى فى غزة مرات عديدة، وفشل فى الوصول لموقف يطالب بحماية المدنيين العزل من آلة الحرب الصهيونية العنصرية التى تمارس التطهير العرقى، ولم ير فيما يجرى فى غزة وكل فلسطين منذ ثلاثة أرباع القرن شيئا يستحق أن يكون إنسانيا، ويتطلب موقفا إنسانياً. كلا الموقفين من تحرير درنة وتحرير طرابلس كانت الشعارات الإنسانية يتم توظيفها لاستمرار الحرب، وإطالة مدتها، والحفاظ على جذوة اشتعالها؛ حتى تستمر المواقف الإنسانية تذرف دموع التماسيح على الضحايا، وتتأسف على المواقف الوحشية لجميع الأطراف، هو نفس الموقف الذى عبر عنه محمد مرسى رئيس مصر الأسبق والقائد الأعلى لجيشها فى ذلك الوقت, عندما خطفت مجموعة من الإرهابيين شديدى الإجرام جنودا مصريين فى سيناء، فتحدث مطالباً قوات الجيش أن تحافظ على أرواح الخاطفين والمخطوفين، فقدم الخاطفين على المخطوفين، لأن هناك لعبة سياسية معينة كان يقوم بها هو وجماعته تجعل الخاطفين والمخطوفين بيادق على رقعة شطرنج. نفس الموقف اتخذه الفاعلون الدوليون المؤثرون مع درنة وطرابلس، المهم أن تتم المحافظة على الخاطفين والمخطوفين لتحقيق أهداف عليا...فما هى يا ترى هذه الأهداف التى تجعل الحروب ضرورة للبعض يقاتل من أجل استمرارها؟ وفى هذه اللحظة الحاسمة فى التاريخ الليبى المعاصر، وبعد ثمانى سنوات من الفوضى، والتمزق السياسى، والانقسام الجهوى، يتم إضفاء الشرعية المصطنعة دوليا، المفقودة داخليا على فايز السراج، الذى تم وضعه على رأس المجلس الرئاسى فى ليبيا، ثم تم منحه الشرعية الدولية، ثم صار هو الوحيد المعبر عن ليبيا، كل ذلك على الرغم من أنه لم يكن سياسيا له تجربة مع الحكم السابق، أو مع المعارضة، ولم يكن من المفكرين أو الشخصيات العامة الليبية. تمحورت مهمة السياسى الليبى فى دور محدد هو إجهاض محاولات بناء الجيش الوطنى الليبى، وتفكيك ما تم جمعه من شتات الأقاليم والمناطق والمدن والقبائل الليبية، والعودة مرة أخرى الى مرحلة هيمنة الميليشيات الدينية والقبلية والجهوية، وظل ذلك السياسى الليبى يقوم بهذه المهمة بكل إتقان، فمع كل نجاح للجيش الوطنى الليبى يتخذ من القرارات والإجراءات الظاهرة والخفية ما ينال من دور الجيش الوطنى، ويعيد الأمور فى ليبيا الى الوراء. وها هو اليوم يواصل دوره فى آخر لحظة من عمر الأزمة الليبية تنفيذا لتوجيهات إقليمية ودولية. لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف