بالتأكيد التاريخ يعيد نفسه، وهو يتكرر، لأن الشعوب لا تتعلم، ونحن لا نصنع التاريخ، بل التاريخ يصنعنا، وعندما ندرس الماضى، يمكن أن نتوقع المستقبل، وحتى نفهم، لابد أن نسأل، وهكذا نعرف، من أين جئنا، وإلى أين المصير. ولكل شعب تاريخ، وأيضا فلسفة، وحتى نفهم شخصية شعب، يكفى أن نتأمل سلوك أفراده، علاقاتهم وصراعاتهم، أفكارهم وطريقة حياتهم، وهكذا نعرف، لماذا تتقدم شعوب، وتتخلف شعوب، للتقدم أسبابه، وللتخلف أسبابه، وهذه هى الحكاية. وحين تقرأ فى مقدمة ابن خلدون، المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، الذى عاش بين عامى 1332 و1406م، تدرك أن التاريخ يكتبه الأقوياء، ويقرأه الضعفاء، وتحكمه الجغرافيا، وأن الدول تسود بالقوة، وتنهار بالاقتصاد، وأيضا بالمؤامرات، وهذه حكاية أخرى. وللتغيير قانونه، فكل الشعوب تمر بنفس المراحل، وكل مرحلة محصلة تفاعلات، اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولكل مرحلة ظروفها، والبشر فى حالة تغير دائم، والمجتمعات كذلك، وهذا هو حال العالم، أمس واليوم وغدا. وحين تتأمل التاريخ، تكتشف أنه يتحرك فى دورات، أحداث تتكرر، وتقود إلى نفس النتائج، وهذه هى ديمومة التاريخ، لكل بداية نهاية، ولكل نهاية بداية، وهو قانون يحكم العالم، ولا شىء يحدث بالصدفة، ولكل شىء قانون. وعندما تقرأ لابن خلدون، تفهم لماذا تطورت شعوب، وتأخرت شعوب، فلكل مجتمع ظروفه، وأيضا أفكاره وأوهامه، وهذه هى عبقرية الرجل، الذى لم يكتفِ بدراسة التاريخ، بل صاغ فلسفة للتاريخ. لمزيد من مقالات عبد العزيز محمود