لا يستطيع المرء، أحيانا كثيرة، أن يمنع نفسه من التساؤل، مع زحمة الأحداث التى تنهال على رءوسنا ولا نملك لها ردا أوتفسيرا، ماذا لو كان الشخص الفلاني- سياسيا كان أو مفكرا أو كاتبا-على قيد الحياة.. كيف كان سيتعامل مع ما يحدث؟، هل ستكون لديه القدرة لكى ينير لنا الطريق لنفهم ونتدبر، كما كان يفعل دائما؟ بالنسبة لى عندما يتبادر السؤال إلى ذهني، يبرز فورا اسم الكاتب الراحل سلامة أحمد سلامة صاحب العمود الشهير, من قريب, وقبله المقال العميق, معنى الأحداث. خلال تسعينيات القرن الماضى وبداية الألفية الجديدة، كان الأستاذ سلامة أكثر الأصوات العقلانية الناقدة بهدوء وعمق دون ادعاء أو انحياز لحزب أو جماعة. وقد بلغ تأثير كتاباته درجة جعلت نسبة معتبرة من النخبة تعتبره أحد أهم مشاعل التنوير الصحفية فى تلك الفترة. وقد كتب أستاذ قانون وسياسى شهير مقالا عنوانه: هل قرأت الأستاذ سلامة اليوم؟ معبرا عن رأى الكثيرين بأن قراءة من قريب أصبحت واجبا يوميا على من يريد أن يفهم حقيقة ما يجري. وفى اعتقادى أن أحد أهم مميزات الراحل الكبير أنه لم يكن يكتب لمصلحة شخصية أو ضغينة، ولم يكن له شلة، وكان موسوعيا فى ثقافته التى داوم حتى النفس الأخير على تعميقها بقراءة واطلاع نادرين وبلغات ثلاث هى العربية والإنجليزية والألمانية. ولا أنسى تعليق أ. سلامة على كتابات زميل لنا خلال أحداث ثورة 25 يناير، إذ قال له: (والزميل من أبلغنى بذلك): أشعر أنك تكتب كما لو كنت تخاطب الجماهير عبر ميكروفون.. كلمات زاعقة وتحريضية بل واتهامية، والكتابة الموضوعية أمر آخر. عملت مع الراحل الكبير فى الأهرام وكذلك مجلة الكتب وجهات نظر التى رأس تحريرها، فظهر لى جانبه الشخصى الذى لا يعرفه كثيرون.. إنسان بسيط متسامح يأخذ نفسه بالشدة، موضوعى وليس محايدا، لديه رؤية شاملة للحياة والعالم. استطاع بهدوئه وثقافته الرفيعة وترفعه عن الصغائر أن يقتطع مساحة من الحرية كان من الصعب على آخرين أن يحظوا بها.. لأنه لم يكن لديهم القيم التى عاش على هديها، وفى مقدمتها النزاهة والاستغناء والتسامى عن الصغائر.