يبدو أن هناك من لا يدركون بشكل جيد حقيقة الأخطار المرتبطة بالصراع الحالي في سيناء, وإذا كان هناك من تنبه, فقد تنبه بعد وقت طويل نسبيا علي الرغم من كل المؤشرات ووسائل التحذير الداخلية والخارجية. فالأمر لا يتوقف عند حدود العمليات الإرهابية التي تمت خلال الفترة السابقة علي الرغم من بشاعتها, ولا عند العمليات التي تتم حاليا لمواجهة خطر الجماعات الإرهابي التي تمددت وانتشرت وفرضت سيطرتها واتخذت من سيناء نقطة ارتكاز قوية لها, ووجدت ما يكفي من السلاح لحماية وجودها من جانب والاجتراء علي السلطة والناس من جانب آخر. ونقطة البداية في محاولة الفهم تقودنا إلي تنظيم القاعدة ومواقف قائده بن لادن الفكرية, فقد كان يتبني اختيار العمل ضد العدو البعيد. وخلال فترة قيادته وجه النشاط العملياتي ضد هذا العدو سواء في أمريكا أو أوروبا أو آسيا. في حين كان موقف نائبه الظواهري علي النقيض, حيث كان يؤمن بأهمية ضرورة العمل ضد العدو القريب, أي العدو الموجود في الدول العربية وإقليم الشرق الأوسط. وبعد اغتيال بن لادن, اصبح الظواهري هو القائد, وتغير بالتالي أسلوب عمل المنظمة الإرهابية. وهكذا بدأ الانتشار والعمل في كل من اليمن والصومال والعراق والأردن وسوريا والسعودية ودول أخري في شبه الجزيرة العربية والسودان وقطاع غزة ودول الشمال الإفريقي, وأخيرا جري التركيز علي سيناء. وقد تحولت سيناء إلي نقطة جذب خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك, ولكنها تحولت إلي قاعدة رئيسية ونقطة ارتكاز محورية عقب ثورة25 يناير. ويمكن القول, إن الربيع العربي قد أسهم في توسع تنظيم القاعدة في الانتشار في دول هذا الربيع, خاصة في سيناء مستغلا الفراغ الأمني وضعف قبضة السلطة. وفي ظل هذه الغيبوبة السلطوية, أحكم الإرهابيون قبضتهم علي سيناء, ويمضون في طريقهم وهم علي يقين من قدرتهم علي مواجهة عناصر السلطة المصرية, ويرون في هذه العمليات فرصة لتثبيت أقدامهم. ومثل هذا الرهان شديد الخطورة, ولو لم يكونوا علي ثقة من قدرتهم علي المواجهة ما أقدموا علي تنفيذ عملية يوم الأحد الدامي الخامس من أغسطس, لقد خططوا لاستدعاء رد الفعل السلطوي ربما لتحديد من ستكون له الكلمة الفاصلة. وهنا تجدر الاشارة إلي أن تنظيم القاعدة لم يعد تنظيما واحدا ذو بنيان هرمي وتتحكم فيه قبضة واحدة حديدية, بل أصبح تنظيما مرنا يعتمد علي تنظيمات محلية في كل دولة أو إقليم يتبني نفس الفكر, ويسعي وراء نفس الأهداف نفسها وهنا ينقسم المجال أمام كل التنظيمات السلفية الجهادية للانخراط في العمل تحت مظلة تنظيم القاعدة. وهناك عوامل كثيرة أسهمت في تحول القاعدة إلي اختيار قواعد ونقاط ارتكاز متعددة, وبعيدا عن أفغانستان وباكستان, فكلا البلدين لم يعودوا من الملاذات الآمنة, بعد تركيز النشاط العملياتي, خاصة الأمريكي لمطاردة عناصر التنظيم, والنجاح في اقتناص أعداد كبيرة من القيادات وعلي رأسها بن لادن. كما أن الطلاق بين القاعدة ومنظمة طالبان الافغانية قد بدأ, ولم يعد ممكنا الاستمرار في العمل من أفغانستان, تجنبا لأي مواجهة يمكن أن تحدث مع عناصر طالبان. ومن المتوقع أن تنخرط طالبان في العملية السياسية الافغانية خلال الفترة المقبلة, لذا لم يعد البقاء في أفغانستان ممكنا. وكانت سيناء بظروفها الجغرافية وتضاريسها الصعبة من بين المناطق الأكثر ملاءمة لاستقبال العناصر الإرهابية, كما أن سيطرة منظمة حماس علي قطاع غزة واستعدادها للتعاون, كان من العوامل المشجعة, ووفرت الأنفاق حرية الحركة للبشر والسلاح والأموال والمعدات. المزيد من مقالات عبده مباشر