قصة الانسان مع الكون هى قصة غريبة وعجيبة لا تتوقف عن ادهاشنا كل لحظة. منذ خلق الله الانسان وقال فى كتابه الكريم انه نفخ فيه من روحه والانسان معزز مكرم فى مرتبة اعلى من كل الكائنات الأخرى. فنحن نتمتع بفضيلة العقل وبسمو الروح وبنعمة الاختيار. عندما ولد الانسان على الارض، لم تكن معارفه كبيرة. لكن رب العباد اراد له ان يبحث ويبتكر ويقدر على صنع اشياء تبدو لاحقا كأنها معجزات. زرع الارض والشجر وانتصر على الحيوانات ثم روضها وبدأ يبحث عن علاج نفسه ومحاولة حل المعضلات التى تبدو له مستعصية. بإذن من الله وعونه، نجح الانسان فى الوصول للفضاء واختراع كل الآلات وإجراء عمليات لم يتصورها بشر. حتى وصلنا لما يسمى الهندسة الوراثية. واذا كان لكل عصر عنوان كما سميت العصور السابقة بعناوين مثل عصر البخار والكهرباء والطباعة والكمبيوتر، فنحن بلا جدال فى عصر هندسة الجينات. وهو تعبير علمى يطلق على تقنية التعامل مع المادة الوراثية الموجودة على الكروموسومات داخل شريط إل دى ان ايه فى جسم الكائن الحى سواء كان انسانا او حيوانا او نباتا، وذلك عن طريق عزل جين او نقله الى كائن آخر لينتج عنه كائن حى مهجن يمتلك صفات مرغوبا فيها. وقد تمت اول عملية هندسة وراثية بالعالم عام 1973 لإنتاج الانسولين. و قد استفاد الانسان من الهندسة الجينية فى كل مناحى حياته منذ هذا التاريخ. ففى مجال الزراعة مثلا تم تحسين صفات المحصول الزراعى من خلال انتاج نباتات مقاومة للحشرات والمبيدات، وأصبحت تقاوم الامراض والآفات. واصبحنا نرى فواكه جديدة تحسن طعمها وشكلها وأصبحت لا تعطب سريعا مثل الفراولة والموز. اما فى مجال تربية الحيوانات، فقد قام العلماء بإدخال بعض الجينات الى الحيوانات لتصبح قادرة على مقاومة الفيروسات والالتهابات، بالإضافة لسرعة نموها من خلال تزويدها بهرمون النمو السريع، وانتجوا لقاحات للأمراض التى تصيبها خاصة الدواجن. ومن اشهر الحيوانات التى اشتهرت عالميا باستنساخها من خلال خلايا حية النعجة دوللى باسكتلندا. والفأر فاكنتى صاحب الاذن البشرية وسمك الجلوفيش المعدل وراثيا من سمك الحمار الوحشى زبرا فيش التى تضيء فى الظلام. وكائنات اخرى تحمل نفس الخاصية التى تتوهج عندما تتعرض للأشعة البنفسجية. والضفدع الشفاف والخنزير صديق البيئة والماعز العنكبوت والبقر الازرق البلجيكى. وآسهمت الهندسة الوراثية فى ايجاد حلول لحل مشكلة التلوث مثل انتاج بكتيريا تحلل الفضلات واخرى تعمل على التخلص من مخلفات البترول بتفتيت جزيئاته وهو ما يسمى اليوم المعالجة البيولوجية. أما فى مجال الطب البشرى، فاكتشفت الهندسة الجينية العديد من الامراض الوراثية وطرق علاجها. وصنع تطعيمات للتقليل من اثارها الجانبية على الانسان. لكن الثورة الكبرى اليوم هى ثورة كريسبر - كاس 9 وهى تقنية تعديل جينات البشر بغرض القضاء على الأمراض والتخلص من مسبباتها. حيث يتم التعديل الوراثى عن طريق إزالة جزء من جين أو تعديله، أو استبداله بالكامل بآخر جديد يؤدى الوظيفة المطلوبة. فى كل هذه الحالات، يجب أولًا تحديد الجزء المراد تعديله فى الحمض النووى، ليتم القطع والتبديل عند هذا الجزء فقط. لكن مجتمع العلماء بأجمعه وكذلك المجتمع الدولى يمنع استخدام تقنية الكريسبر فى عمليات الحقن المجهرى واطفال الانابيب. وهذه مخاوف اخلاقية معروفة ليس فقط خوفا من التدخل فى الخلق البشرى وصنع اطفال تحت الطلب لكن ايضا لامكانية انجاب كائنات غريبة معدلة وراثيا اقرب للوحوش التى لا نستطيع التحكم فيها. وقد انقلب العالم رأسا على عقب حرفيا عندما اعلن العالم الصينى هى جيانكوى بنوفمبر الماضى ولادة توأم لطلفتين ( لولو ونانا) اجرى عليهم تعديل جينى لاصابة والدهم بمرض الايدز. وهاجم العالم اجمع تجربة العالم وقالوا انه لم يسمح عالميا بإجراء تجارب سريرية على تعديل جينات الاجنة ولم يحسم اخلاقيا هل ينبغى على البشر تعديل انفسهم جينيا ام لا. ووقع 100 عالم عالمى منهم حائزون على نوبل بيانا عالميا للاعتراض على التجربة التى قالوا انها تفتح ابواب الجحيم، وقصدوا ان وضع ضوابط لاجرائها على البشر قد يجعل الاشرار يستخدمونها خاصة مع سهولة تطبيقها ورخص ثمنها. الحقيقة ان تقنية كريسبر يتم السماح باستخدامها الآن فى علاج امراض عدة مثل السرطان، لكن الخط الاحمر هو اللعب فى الاساس، اى اللعب فى الخلق. لكن كل الدوريات العلمية تقول إن الباب فتح ولن يغلق، ولن يمر وقت طويل إلا ونحن نرى اطفالا يتم تعديل جيناتهم وراثيا حسب الطلب، اى حسب لون العين والشعر ودرجة الذكاء او حتى ربما حسب الكفاءة القتالية. والكل يجمع ان توسيع نطاق كريسبر سيجعل الاجيال التالية لا تمرض لسهولة علاج جيناتها؟هل نحن اذن إزاء عصر جديد للبشرية؟ لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره