لم يكن حديث الرئيس محمد مرسي في خطابه يوم الأربعاء المنصرم بشأن الخليج مجرد تعبير عن مواقف تقليدية بقدر ما احتوي علي رسائل اطمئنان من القيادة المصرية الجديدة ذات الخلفية التي تنتمي الي جماعة الإخوان المسلمين وأظن أنها الرسائل الأخيرة في هذا الصدد بعد أن تم توجيه الكثير منها، منذ صعود مرسي الي الموقع الرئاسي في مصر في نهاية يونيو الماضي ووفق متابعاتي فقد أحدثت هذه الرسائل مردودا شديد الإيجابية وهوما رصدته شخصيا في سلسلة من اللقاءات مع بعض وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقب انتهاء الرئيس مرسي من خطابه وأهم هذه الرسائل يتمثل فيما يلي: أولا: إن النظام الجديد في مصر لاينظر الي دول مجلس التعاون من منظور عدائي أو مناهض لتوجهاتها وإنما هو حريص علي إعادة صياغة مسار العلاقات معها في ضوء محددات مغايرة لما كان سائدا خلال فترة حكم النظام السابق الذي تعامل مع دول هذه المنظومة وفق نظرة ضيقة الأفق باعتبارها خزانة أموال ونفط ليس بحسبانها ظهير استراتيجي وفي هذا السياق جاءت أول زيارة خارجية للرئيس مرسي الي الرياض بعد أدائه اليمين الدستورية بأيام قليلة. ثانيا: إن مصر ملتزمة بحماية دول الخليج العربية وتقف الي جوارها وتساندها في تأمين أمنها واستقرارها ودرء أي محاولة للتدخل أو الهيمنة علي مقدرات المنطقة في اطار التزام مصري بمساندة الأشقاء العرب'. بيد أن ذلك لا يعني وفقا لكلام الرئيس مرسي نفسه أن مصرتتخذ موقفا أو تهدد بالحرب ضد أحد. ثالثا: وهي رسالة موجهة تحديدا لدول الجوار المحيطة بمنطقة الخليج ومؤداها' أن العلاقات مع دول الجوار العربي يجب ان تقوم علي عدد من المبادئ أهمها الحفاظ علي وحده وسلامه وعروبه المنطقه العربية, ورفض أي محاولة لتهديد أي قسم منها أو المس بسيادة أي قطر عربي. وجاء رد الفعل الخليجي في أغلبه إيجابيا علي طروحات الرئيس مرسي وهو ما تجلي في أكثر من مستوي: فيما قاله لي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني والذي حرصت علي التعرف علي رؤيته فور انتهاء خطابه وهوجالس علي مقعده بقاعة الاجتماعات الكبري بمقر الجامعة العربية وخلاصته أن هذه الطروحات هي أهم ما استمع من زعيم عربي طوال حياته العملية والتي جسد فيها بعمق المواقف المصرية بكل قوة تجاه العديد من القضايا العربية والتحديات التي تواجه المنطقة والامن القومي العربي والعلاقات العربية مع دول الجوار وبشكل خاص تأكيده علي وحدة وسيادة وعروبة المنطقة العربية والالتزام بدعم دول مجلس التعاون ومساندتها في درء أية محاولة للتدخل في شئونها الداخلية وهو ما أثلج صدورنا وشكل مصدر ارتياح لنا في بلده الثاني البحرين. واللافت أن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد سارع بزيارة القاهرة في اليوم التالي لإلقاء خطاب الرئيس مرسي أمام المجلس الوزاري العربي وقد جاء خصيصا من أبوظبي لهذا الغرض فهو لم يشارك في اجتماعات المجلس ويمكن القول من منظور التحليل وليس بناء علي معلومات إن هذه الزيارة العاجلة تعكس شعورا بالاطمئنان تجاه السياسات المصرية الجديدة خاصة علي صعيد العلاقات مع ايران والتي بدا واضحا أنها لن تكون مطلقا خصما من رصيد علاقات القاهرة مع منظومة دول مجلس التعاون وبالأخص بعد سلسلة من الانتقادات التي وجهها رجل الأمن القوي في دبي الفريق ضاحي خلفان في تصريحات بعضها رسمي وبعضها عبر وسائط التواصل الاجتماعي وفي السياق فقد عكست المواقف التي أعلنها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري في المباحثات التي أجراها مع الرئيس مرسي أو رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل يوم الخميس الفائت تقديرا للتوجهات الجديدة في مصر الإعلان عن خطوات عملية تسهم في تعزيز وتقوية الاقتصاد الوطني والإ سهام في مشروع النهوض الذي يقوده مرسي تجسدت في التزام قطر بضخ استثمارات في مصر تبلغ18 مليار دولار في غضون خمس سنوات وفق جداول زمنية محددة وهو مؤشر علي حالة الثقة القطرية والخليجية في مصر الجديدة.