أثارت مشروعات القوانين الخاصة بتشديد العقوبات على اهانة رموز الدولة وحظر نشر الاخبار المكذوبة، ردود افعال واسعة النطاق تبيانت بقدر تباين مواقف اصحابها من موضوع الحريات ومسئولية الدولة من جانب، ومدى التزامها بما ينص عليه الدستور الروسى فى هذا الشأن من جانب آخر. ما أن فرغ مجلس الدوما من قراءاته الثلاث لهذه القوانين، وقام بتحويلها إلى مجلس الاتحاد لاقرارها قبل رفعها الى رئيس الدولة للتصديق عليها، حتى سارع مجلس حقوق الانسان التابع للرئاسة، إلى الاعتراض عليها مطالبا باعادة النظر فى كثير من بنودها، نظرا لتناقضها مع بنود الدستور الروسى فيما يتعلق بضمان الحريات وحقوق الانسان. وكانت هذه القوانين التى اقرها مجلس الدوما تتضمن تشديد العقوبات ضد اى محاولات تستهدف او تنال من هيبة او وقار الدولة، فضلا عن تجريم ترويج الاخبار المكذوبة والشائعات التى تستهدف التطاول على رموز الدولة ممثلى السلطة. وعهد المجلس بتنفيذ هذا القانون الى هيئة التفتيش والرقابة الحكومية، بعد ان كان ذلك من صميم اختصاصات جهاز الامن والمخابرات. وكان الجدل قد احتدم فى مجلس الدوما حول هذه القوانين، لتخلص الاغلبية من ممثلى الحزب الحاكم ومعها ممثلو أحزاب المعارضة التى ثمة من يسميها بالمستأنسة، الى الموافقة على مختلف بنودها، ومنها الخاصة بحظر نشر الاخبار المكذوبة او الشائعات تحت ستار انها معلومات موثقة، والتى تشير الى انها تشكل خطرا على امن المجتمع والمواطن، وتهدد الاستقرار الاجتماعى وتثير الاضطرابات وتنال من النظام العام، فضلا عن تعطيل الحياة، والاضرار بالبنية التحتية الاجتماعية. وفى هذا الصدد رفعت هذه القوانين حجم الغرامات المالية، الى جانب السجن لمدة 15 يوما لمن يثبت اتهامه بترويج الاخبار المكذوبة، ونشر غير الموثق منها عبر شبكات الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي. واضافت المصادر الروسية الرسمية انها تمنح النائب العام واجهزة النيابة والقضاء، حق رفع الدعوى ضد كل من يثبت ضده انتهاك هذه القوانين، واتخاذ الاجراءات اللازمة للحيلولة دون النشر بما فى ذلك الاغلاق والمصادرة. وكان ممثلو منظمات المجتمع المدنى والدفاع عن حقوق الانسان، قد اعلنوا اعتراضهم على الكثير من بنودها، انطلاقا من ان فيها ما ينال من الحقوق الدستورية للمواطنين فى حرية تلقى ونشر المعلومات، فضلا عن المساس بحرية التعبير، وحرية التظاهر بموجب المادتين 29 و31 من دستور روسيا الاتحادية. ومن اللافت فى هذا السياق أن القوانين الجديدة تبدو أكثر تركيزا على نشاط الصحافة والمواقع الالكترونية، فى الوقت الذى ثمة من يقول فيه إنها تغض الطرف عن نشاط الصحافة الفيدرالية والقنوات التليفزيونية الحكومية فى معظمها، ربما انطلاقا من كون هذه الاجهزة الاعلامية كانت ولا تزال اكثر التصاقا بأجهزة السلطة الرسمية التى ثمة من يقول انها تمدها بما يجب التركيز عليه من موضوعات، وتفرض عليها ما تشاء من توجهات. وفى هذا الصدد تقول الاصوات المعارضة ان هذه القوانين تبدو وكأنها جرى تفصيلها عمداً لمواجهة مواقعها الالكترونية، على ضوء ما تحظى به من جماهيرية تتزايد يوما بعد يوم، ولاسيما بين الاوساط الشبابية. وفى هذا الشأن أيضا يشيرون الى تصاعد شعبية عدد من القنوات التليفزيونية محدودة الانتشار، ومنها قناة دوجد (المطر) بما تتضمنه برامجها من محتويات نقدية ذات توجهات معارضة. وفى هذا الشان يتوقف الكثيرون من المراقبين عند البرنامج الذى يقدمه الكسى نافالني، احد ابرز زعماء المعارضة الروسية من معلومات، يحاول من خلالها الكشف عن جرائم الفساد، ولاسيما بين أعضاء النسق الاعلى للسلطة. ولم تقتصر الاصوات المناهضة للقانون على ممثلى الاحزاب والحركات المعارضة، بل واتسعت لتشمل العديد من المحسوبين على الكرملين، ومنهم ميخائيل فيدوتوف رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع رسميا لرئيس الدولة، الذى قال إنه يعد الاعتقالات بتهمة ازدراء السلطة انتهاكاً لحرية التعبير. وهناك آخرون من المحسوبين على الليبراليين المستقلين مثل الصحفى التليفزيونى فلاديمير بوزنر، الذى قال إن ما يتضمنه القانون من بنود يستهدف عمليا خنق حريات جميع وسائل الإعلام، باستثناء ما وصفها بالاجهزة والبرامج ذات التوجهات الموالية للسلطات الرسمية.