حتما ستلتقى بهما عند مرورك بالشوارع المجاورة لشارع المعز ، أحدهما يجر العربة والآخر يستلقى فوقها ناظرا للسماء فى انتظار لحظات من المرح تأتى من اهتزازاتها على الطرق المتكسرة وكأنه مستلق على ظهر يخت فى عرض المحيط. غالبا ما يقوم محمد الأخ الأكبر بجر العربة غير عابئ بذكرى حادث مرت عليه سنوات نتيجة انسكاب إناء من الماء المغلى على جسده .. الألم انتهى لكن الحرق وثق الذكرى على جسده من أعلى البطن و حتى الركبتين . أما الصغير إبراهيم فهو لا يفكر سوى فى العجلة التى تطارده فى الأحلام من شدة تعلقه بها. يعلم الأخوان جيدا أن التعليم جميل ، لكن ما باليد حيلة. على كل حال لقد أصبحا فى هذه السن الصغيرة «ولاد سوق» بمعنى الكلمة ، فهما يعرفان جيدا أن «القرش» الذى يكسبانه من عرق الجبين ليس كله للمتعة وشراء الحلوى وأن السيجارة هى باب كل الشرور.. الشارع كان كفيلا بعرض كل شىء عليهما لولا فطرتهما السليمة وستر الله . المشوار طويل من المنيب للمعز لكنه لا يقاس بالمسافة قدر ما يمكن قياسه بعدد المقاهى والنواصى التى يتلطع عليها شباب فى أضعاف عمرهما فى انتظار أن تأتيهم الوظيفة بسرعة. محمد وإبراهيم ليسا مجرد صبيين فى الصنعة، فمحمد يؤكد أنه تعلم صناعة الفوط القماش من الألف إلى الياء و سيأتى اليوم الذى تكون له فيه تجارته الخاصة. عندها فقط سيكون لديه المبلغ المطلوب لإجراء عملية التجميل التى ستمحو ذكرى الحرق من على جسده. وهو رغم ذلك لا يخجل من جروحه، لكنه صاحب هدف يتمنى أن يتحقق.