«ذهبنا إلى القمر وابتكرنا تقنيات غيرت العالم، يجب أن تكون مهمة بلدنا التالية هى الارتقاء إلى التحدى الأكثر إلحاحا: التغلب على تغير المناخ، لهذا السبب أرشح نفسى للرئاسة»، بهذه الكلمات أعلن جاى إنسلى (68 عاما) حاكم ولاية واشنطن ترشحه لانتخابات الرئاسة الأمريكية =حاكم يدخل مجالا مزدحما بالفعل من أعضاء مجلس الشيوخ وغيرهم من الطامحين الذين يقاتلون من أجل تحدى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الانتخابات المقبلة. ورغم أن إنسلي، الديمقراطى والعضو السابق فى الكونجرس عن منطقة سياتل، يعتبر الحاكم الوحيد فى السباق حتى الآن، فإنه لا يزال أقل شهرة من عدد من المتنافسين البارزين، بمن فى ذلك أعضاء مجلس الشيوخ وعلى رأسهم بيرنى ساندرز وأيضا إليزابيث وارن عن ولاية ماساتشوستس، كما أنه من المتوقع خلال الأسابيع القليلة المقبلة أن يعلن ساسة بارزون آخرون، مثل جو بايدن نائب الرئيس السابق باراك أوباما، عن حملاتهم لخوض غمار انتخابات عام 2020، لذلك يرى بعض الخبراء، وقبلهم إنسلى نفسه، أن فرصه ضئيلة فى الفوز، لكنه يعول كثيرا على برنامجه وقضيته الأساسية «التغير المناخي» قائلا إن ذلك ما يميز برنامجه الانتخابى عن غيره من باقى المرشحين، معللا ذلك بقوله إن أى مرشح رئاسى لم يشن حملة ركزت على تغير المناخ والسياسة البيئية كما فعل هو. إنسلى شخصية هادئة بطبعه،، نشأ فى منطقة سياتل حيث كانت والدته تعمل موظفة وكان والده مدربا لكرة السلة فى المدرسة الثانوية، وربما هذا ما جعل إنسلى يهتم كثيرا بالرياضة فى صغره، فقد قاد حاكم واشنطن فريقه لكرة السلة فى المدرسة الثانوية إلى لقب بطولة الولاية، لذلك جاء اهتمامه بالقضايا البيئية وهو فى سن كبيرة حينما قاد والداه مجموعات من طلاب المدارس الثانوية على رحلات إلى مرتفعات رينيه، ومنذ ذلك الوقت بدأت تتشكل لدى إنسلى ميول كبيرة تجاه الطبيعة والتغيرات المناخية حتى أنه قام بتأليف كتاب بعنوان «نيران أبوللو» والذى كان يتحدث عن إمكانات الطاقة الخضراء فى المحافظة على البيئة. أما مسيرته الجامعية فقد بدأت فى جامعة ستانفورد، حيث كان ينوى فى البداية دراسة الطب ولكن بعد عام واحد أُجبر على ترك الدراسة لأنه لم يتمكن من الحصول على منحة دراسية، فقرر دراسة القانون حيث التحق بكلية الحقوق فى جامعة ويلاميت وتخرج فيها عام 1976. ويمكن القول إن دراسته القانون أثرت كثيرا فى مسيرته المهنية، فإنسلى كان طالبا نشطا فى مجال السياسة، أصبح مدعيا جنائيا بعد التخرج وخدم فى مجلس النواب فى واشنطن بين عامى 1989 و1993، بعدها عاد لفترة وجيزة إلى ممارسة مهنة المحاماة، ثم عمل مديرا إقليميا لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية فى عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون، كما خدم أيضا كرئيس لرابطة المحافظين الديمقراطيين للدورة الانتخابية لعام 2018، وخلال ذلك تم انتخابه حاكما لولاية واشنطن منذ عام 2013 وحتى الآن. ورغم أن إنسلى ظل فى دائرة السياسة أكثر من ربع قرن، فإن شخصيته لم تكتسب كاريزما رجل السياسة المحنك، وبدا ذلك جليا فى تعبير إستخدمه أحد مساعدى إنسلى بقوله «هو ليس حصانا يمكن المراهنة عليه»، ويكمل: لقد إستغرقنى الأمر فترة لتخيل الحاكم المتواضع كمرشح رئاسي!». بالفعل يمكن القول إن إنسلى لا يملك موهبة مغازلة الإعلام، فعلى حسب قوله هو رجل واقعى يحب دائما الحديث عن إنجازات ملموسة بدلا من التغنى بشعارات رنانة لا تغنى ولا تسمن من جوع، وعلى رأس هذه الإنجازات النمو الاقتصادى الذى استطاع أن يحققه بعد أن أصبح الحاكم الثالث والعشرين لواشنطن من خلال تبنيه بعض السياسات، ومن أهمها رفع الحد الأدنى للأجور، وسياسة «العطلة العائلية» التى تسمح لبعض العمال بالحصول على إجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر سواء نتيجة ظروف مرضية أو لرعاية طفل جديد. إنسلى تبنى أيضا مشروع قانون يعطى أحقية للعمال فى الحصول على أجر وفرص عمل متساويين للجنسين، كما أشرف على برامج البنية التحتية للنقل، وروج للطاقة النظيفة والمحافظة على البيئة، كما دعا إلى خطة تأمين صحى عامة فى واشنطن ووصفها بأنها «خطوة نحو الرعاية الصحية الشاملة». ورغم الانجازات التى استطاع أن يحققها حاكم ولاية واشنطن، فإن ذلك لم يثن اللجنة القومية للحزب الجمهورى عن القول إن إعلانه الترشح للانتخابات لن يدفع سوى المرشحين الديمقراطيين الآخرين إلى اليسار، مؤكدة أن كل ما ستفعله حملته أنها ستجبر الديمقراطيين على تبنى سياسات أكثر تطرفا مثل ضريبة الكربون التى كان يرغب إنسلى فى تشريعها ولكنه فشل فى إقناع الناخبين والمشرعين بها خوفا من أنها ستؤدى إلى رفع أسعار الطاقة. «مرشح المناخ»، هكذا يصف الإعلام الديمقراطى جاى إنسلى الذى يتباهى كثيرا بهذا الوصف وهو يغفل نقطة مهمة وهى أن التركيز على قضية المناخ فقط دون القضايا الأخرى التى تهم الناخب الأمريكى جعلت منه مرشح «القضية الواحدة»، وهو أمر قد يؤخذ عليه نظرا لأن قضية تغير المناخ تحتل المركز الخامس بين قضايا أخرى تهم الناخب الديمقراطى وعلى رأسها الرعاية الصحية مثلا، وذلك وفقا لدراسة أجراها معهد جالوب قبل انتخابات التجديد النصفى للكونجرس فى عام 2018. غير أن ريبيكا كاتز أحد المستشارين السياسيين الديمقراطيين، كان لها رأى مختلف، فهى ترى أن قضية المناخ سوف تكتسب أهمية فى سباق انتخابات 2020، مشيرة إلى أن «الصفقة الخضراء الجديدة» جلبت قضية المناخ مجددا إلى حلبة الصراع، وذلك فى حديث لصحيفة «نيويورك تايمز». و«الصفقة الخضراء الجديدة» هى مشروع قرار طرحه الحزب الديمقراطى ممثلا فى السيناتور ألكسندريا أكاسيو كورتز يهدف إلى مواجهة تحديات ظاهرة التغير المناخى ورفع درجة حرارة الأرض. وتنادى الصفقة بجهود دولية لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة وإعادة تهيئة المنازل لتصبح صديقة للبيئة والاستثمار فى إعادة التشجير للتخلص من الكربون. إنسلى من جانبه يرى أن التركيز على قضية تغير المناخ دون القضايا الأخرى «ميزة» تجعله متفردا عن باقى المرشحين، ففى تصريح سابق له قال إن «تغير المناخ هو القضية فى جميع قضايانا، هو قضية الرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية والتعليمية، هو قضية أمن قومي، لذلك فهى تمس كل شيء»، مضيفا أنه المرشح الوحيد الذى تطرق لهذا الموضوع المهم، لكن يبدو أنه أغفل البرنامج الانتخابى لبيرنى ساندرز عضو مجلس الشيوخ الأمريكى والمرشح الديمقراطى لانتخابات 2020، والذى سعى فيه بشكل متزايد إلى إبراز قضية تغير المناخ، وهو الأمر الذى قد يسرق الأضواء من إنسلى. فى النهاية يبقى السؤال: هل ينجح «المناخ» فى إيصال جاى إنسلى إلى البيت الأبيض، أم أن رياح الانتخابات ستعصف بمرشح «القضية الواحدة»؟ .