تسعى بعض الدول لتعديل الدستور بهدف الإصلاح، أو بهدف علاج ثغرات الماضى وتعويض ما فقدته من قدرة واستقلالية فى حماية الأمن القومى ورفع الكفاءة الدفاعية أمام التحديات الدولية والأزمات الكبرى. وتنتمى التجربة اليابانية إلى النموذج الثاني، حيث قرر رئيس الوزراء شينزو آبى قبل نهاية فترة حكمه بمدة كافية إجراء تعديلات جوهرية على دستور بلاده الذى صاغه أمريكيون أثناء الاحتلال بعد عام 1945، بغرض سحق أى قدرة لدى طوكيو للدخول فى نزاع عسكرى جديد، وتجريد اليابانيين من قوة قتالية محتملة. وتشكل المادة التاسعة من الدستور دافعا ملحا للتعديل المرتقب لما جاء بها من تخلى اليابان إلى الأبد عن الحروب واللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات الدولية، ومنعها من بناء قوة عسكرية .. وهو الأمر الذى يتناقض بدوره مع امتلاك الدولة الآسيوية أحد أفضل الجيوش تجهيزا فى العالم، فضلا عن ظهور جدارة قوات الدفاع الذاتى اليابانية فى تحمل مسئولية عدة مهام، لاسيما عمليات البحث والإنقاذ خلال الكوارث الطبيعية التى تجتاح البلاد كثيرا بحكم طبيعتها الجغرافية التى تجعلها الأكثر عرضة للزلازل. ومع تصاعد نغمة الحروب والنزاعات العسكرية داخل شبه الجزيرة الكورية فى السنوات الأخيرة، على ضوء سياسة التنين الصينى وطموحات كوريا الشمالية النووية، لم يكن سهلا على الطرف اليابانى التزام الأدب والسكوت امتثالا لبنود دستور مر عليه أكثر من 70 عاما، ولذلك أصر الحزب الديمقراطى الحر الحاكم فى اليابان بقيادة آبى على اتخاذ خطوة التعديل الحتمية للتأكيد على حق الدولة فى بناء جيش نظامى يعزز القدرة الدفاعية دون التورط فى شن حرب هجومية، إلا أن آلية التعديل تخضع لشروط قاسية، أولها تقديم المشروع مدعوما بموافقة 100 عضو فى مجلس النواب اليابانى أو 50 عضوا فى مجلس الشيوخ، ويجب أن ينال الاقتراح موافقة ثلثي الأعضاء فى كل من المجلسين قبل أن يتم طرحه فى استفتاء وطنى ليحظى بالرضا والقبول الشعبى، ثم يصبح التعديل نافذا إذا فاز بأغلبية بسيطة فى الاستفتاء.. ولا يُخفِى آبى رغبته وتمسكه بإجراء التعديل لرفع الوصاية الأمريكية عن العسكرية اليابانية ومنحها فرصة الانتشار ما وراء البحار من أجل استمرار نهضة بلاده.