«من فضلكم - من لا يستطيع تحمل المشاهد المؤلمة لضحايا الإرهاب ينتظر فى الطابق الارضى بقاعة كبار الشخصيات، بعض الزائرين يواجهون متاعب صحية بعد رؤيتها»، تلك كانت رسالة مدير متحف الأحداث الإرهابية فى مدينة اورمتشى عاصمة إقليم شينجيانج لأعضاء الوفد الإعلامى المصرى، وقبل الدخول من باب المتحف تقدمت فتاة تعمل مرشدة بالمتحف ترتدى بنطلونا لونه اسود و«جاكت» نفس اللون لا أدرى هل هى المصادفة أن ترتدى هذه الألوان فى هذا اليوم؟ أم هو الزى المعتمد الذى يتناسب مع طبيعة المكان، ورافقتنا طوال الساعات الصعبة التى مررنا بها فى هذا المبنى الحافل بالذكريات الموجوعة التى تتجرعها كل يوم بل كل ساعة مع زائرين جدد. بدت المشاهد المعروضة قاسية لأبرياء من ضحايا الإرهاب قتلوا فى الأسواق التجارية وفى مناجم التعدين وفى المنازل، تذكرنا الشهداء من رجال الجيش والشرطة والمدنيين فى مصر ضحايا الإرهاب, من بين هذه القصص قصة مؤثرة تحكى نهاية معلم فى العقد السادس من العمر قتلا وزوجته وهما من قومية اليوجور على أيدى الإرهابيين دون شفقة داخل البيت وهما نيام، وجرت الجريمة بشكل مروع والتمثيل بالجثث دون ذنب لكنه الإرهاب. كانت المرشدة تشرح قصة المتحف وملابسات إنشائه وعدد الحوادث الإرهابية التى توثقها الصور والفيديوهات، وأبرزها حادث الفتنة الطائفية الذى وقع بمدينة أورمتشى فى 5 يوليو عام 2009 وهو بداية ظاهرة الإرهاب فى الإقليم والتى تؤكد الصين أن وراءها كانت تقف منظمات إرهابية دولية، هذا الحادث تسبب فى مقتل عدد كبير من الأبرياء، وتعتبره الصين أخطر حادث إرهابى منذ تأسيس الصين من حيث عدد الضحايا والخسائر المادية والتأثير السلبى على المجتمع، ثم الحادث الذى وقع فى سوق المدينة وأسفر عن مقتل 31 شخصا على الأقل وإصابة 94 آخرين، حيث اخترقت مركبتان دون لوحات معدنية الحواجز على جانبى الطريق واصطدمت بالجماهير فى سوق مفتوحة وتم تفجير عبوات ناسفة. لا تزال المرشدة تتحدث بمشاعر حزينة وقدرة غريبة على حجب دموعها، كما أن ملامح وجهها لم تظهر فى اى وقت مجرد ابتسامة ولو خفيفة، ففى هذا المكان حتما ستختفى الابتسامة من فرط بشاعة المشاهد التى تملأ جنبات المكان وتفوح منها رائحة الغدر. كان يرافقنا «لى جيه» مدير قسم العلاقات الدولية فى المكتب الإعلامى بشينجيانج وبدا عليه التأثر الكبير بعد انتهاء الزيارة وتذكر مقتل والدة صديقه والتى كانت تعالج فى المستشفى على مدى شهرين وقرر الأطباء خروجها من المستشفى بعد تحسن حالتها الصحية، ومن فرط سعادتها طلبت أن تعود إلى المنزل سيرا على الأقدام ووافق على رغبتها ابنها على الرغم من مكانتها فى المجتمع فهى زوجة نائب قائد الجيش.. ويكمل، وبينما هى فى الطريق إلى المنزل وقعت عملية إرهابية ضخمة كانت إحدى ضحاياها ومنذ ذلك الوقت غادر ابنها المدينة وتأثر بدرجة كبيرة. غادرنا المتحف الذى جاءت زيارته بعد دخول مراكز التأهيل التى أقامتها الحكومة كعلاج جذرى لظاهرة التطرف، ورسالة الصين غير المباشرة لنا تقول إن الصين نجحت فى أن تنقل ظاهرة الإرهاب إلى المتاحف وهى إشارة بالغة الدلالة تعنى ببساطة أن الإرهاب بكل جبروته تحول مع المعجزة الصينية إلى متحف يتعرف من خلاله المواطن والزائر على قصة البداية والنهاية للإرهاب، وكيف جرت المعالجة للظاهرة فى بلد يضم 56 قومية؟ وليس أدل على ذلك من تأكيد المسئول الصينى أن بلاده لا تفضل نشر صور عن الإرهاب أو تذكير الناس به حتى تكون الصورة الأهم عن الصين هى الاستثمار والتنمية والسياحة. وقد يتساءل البعض كيف نقلت الصين الإرهاب من دائرة الخطر الذى يهددها إلى «رمز مرفوض» مر فى التاريخ الحديث مكانه المتحف الذى يحتفظ بالأشياء التاريخية التى مضى عليها الوقت، الإجابة جهد طويل وعمل تضافرت فيه كل أجهزة الدولة، وحسم فى المواجهة تطلب إعادة تأهيل كل من يفكر بطريقة تعوق تقدم البلاد وتطورها وأن يخضع جميع أبناء القوميات الذين لا يجيدون اللغة الصينية إلى تأهيل ومتابعة فى مراكز التأهيل التى أنشأتها الحكومة فى إقليم شينجيانج، تلك المراكز التى يعتبرها الغرب سجونا، لكن الصين تقول نحن نعمل على بناء المواطن. معجزة الصين عمرها 40 عاما وهى مستمرة فى تحقيق المفاجآت التى ينظر لها العالم بالإعجاب والدهشة فى آن واحد. لمزيد من مقالات ماهر مقلد