فى أحدث دراسة عن أدب يوسف السباعى، كتب الباحث والأديب السكندرى ملاك ميخائيل شنودة أنه التقى بالأديب الشهيد 4 مرات فى احتفالات الحصول على جوائز أدبية قبل اغتيال السباعى فى «نيقوسيا» عاصمة قبرص فى 18 فبراير عام 1978 على يد رصاصات غدر من جماعة أبو نضال الفلسطينية، ثم اختطف القتلة عددا من الرهائن وحدثت كارثة أثناء تحريرهم وضاع دم صاحب فيلم «العمر لحظة» الذى يحكى قصة التضحيات الغالية التى قدمها الأبطال لتحقيق نصر أكتوبر 1973 . وأوضح ميخائيل أنه عند تنقيبه فى مسيرة وأدب السباعى اكتشف أنه كتب مجموعة قصصية بعنوان «يا أمة ضحكت» قبل اغتياله ثلاثين سنة «عام 1948» تنبأ فيها بحياته وباغتياله.. وإلى تفاصيل هذه الدراسة: فى مجموعته «يا أمة ضحكت»، التي أصدرها السباعى وهو لم يزل بعد شابًا يافعًا في بداية حياته الأدبية والعملية كضابط في الجيش المصري، وعلي الرغم من قراءاتي الكثيرة والمتعددة لهذه المجموعة القصصية المتميزة، فقد وجدتني أكتشف حقيقة أنها قصة غريبة ومدهشة جدًا تحت عنوان «بصقه علي دنياكم»، ورد فيها تشابه بل تطابق بين حياة ونهاية البطل فى القصة وبداية ونهاية يوسف السباعى نفسه فى الحقيقة، فالقصة تدور أحداثها باختصار، بسؤال عن الدنيا.. ما هي الدنيا؟ يجيب المؤلف: الدنيا... زينة الليل، سخرة النهار، يجلوها الظلام ويكسفها الصباح! وبعد الإجابة الأولية البسيطة على السؤال من خلال تتبع حياة طفل صغير لم يطلق عليه اسما ليكون هو راوي القصة وبطلها ومؤلفها وهو يشاهد الموكب الملكي إلي البرلمان، ولا يشد انتباهه إلا ذلك الضابط الفارس المتأنق والمتألق الذي يتقدم الموكب بحصانه الأبيض، ولا يتمني الطفل من كل دنياه إلا أن يصبح ضابطًا وفارسًا مثله. وتمر الأيام ليتحقق أمل الطفل ويصبح ضابطًا فارسًا ويشترك في احد المواكب المماثلة لذلك الذي رآه في طفولته، ولكنه عندئذ يكتشف المتاعب الكثيرة والمشاكل الصعبة التي يعاني منها، وعندئذ يقول لنفسه بحزن واسي: «خاب ظني وأملي... لا لأني لم أبلغه، بل لأني قد بلغته!». ولما أصبحت الفروسية شيئًا لا قيمة له بالنسبة إلى بطل القصة، اكتشف هدفًا جديدًا ، وأملًا كبيرًا، يسعي إليه ويعمل لتحقيقه ، وهو أن يصبح رجل فكر ورأي وصاحب قلم يحرك القراء ويشعل الأذهان. وتخدمه ظروف الحياة فيصبح كاتبًا مشهورًا ينتظر الناس مقالاته، ولكنه للمرة الثانية يكتشف أن الأمل الذي سعى إليه لا قيمة له، وأنه كمفكر وكاتب مجرد ألعوبة في أيد الساسة ورجال الأحزاب يحاولون جعله أجيرًا لهم يكتب لمن يدفع أكثر!. ويواصل تساؤلاته المتحسرة قائلًا :ترى هل وجهت الآراء توجيهًا سديدًا؟ ترى هل ارتقيت بالناس وسموت بهم إلي مستوي أفضل؟ بل هل سموت أنا بنفسي وترفعت بها؟. ويجيب علي أسئلته : لقد وجدت نفسي أشبه ببائع الترمس أو البلطجية!. ومرة أخري يبدأ بطل قصة «بصقة على دنياكم» في البحث عن هدف جديد وأمل آخر يسعي للوصول إليه :ولاح له منظر كرسي الوزارة، وكعادته يسعي بطل القصة لتحقيق أمله!. ويخبرنا أيضًا كيف لم يستطع تنفيذ هذه الأفكار والمشاريع التي فكر في عملها لصالح الأغلبية الفقيرة والكادحة من الشعب التي كان هو نفسه واحدًا منها في الماضي القريب .... وبعد تحقيق الأهداف كلها هدفا تلو الآخر، وأثناء شروده فى جلسة حساب أو عتاب مع النفس، يسقط بطل قصتنا مضرجا فى دمائه برصاصه غادرة عند خروجه من اجتماع لمجلس الوزراء من مجهول!. ويختم حياته بحوار داخلى: أصبت اليوم برصاصة وأنا خارج من مجلس الوزراء.. لقد قتلوني بلا سبب فما فعلت أحسن ولا أسوأ مما فعل غيري ..إني احتضر ولست أشك أنهم سيجعلون مني بطلا رغم أن كل ما فعلته هو أني قُتِلتْ!. وبعد أن لخص الباحث قصة «بصقة علي دنياكم» يأتي السؤال الهام عن علاقة هذه القصة بحياة واغتيال الأديب الكبير الشهيد خالد الذكر يوسف السباعي؟!. ويجيب الباحث عن هذا السؤال في أربع نقاط :أن الشهيد البطل يوسف السباعي تخرج فى الكلية الحربية وعين في سلاح الفرسان عام 1937، وثانيا أصدر أول مجموعاته القصصية «أطياف«» فى 1947 وثالثا أصبح وزير للثقافة 1973 ونقيبا للصحفيين فى مارس 1977، ورابعا تم اغتياله برصاصات إرهابية عربية تحمل أقنعة الجهل والغدر 1978! والمراحل الأربع فى حياة الضابط السياسى الأديب الشهيد هى نفسها مراحل حياة البطل فى قصة بصقة على دنياكم فقد أصبح الطفل ضابطًا فارسًا، ثم أصبح كاتبا وصاحب قلم وفى نهاية المطاف أصبح رئيسا للوزراء قبل أن يغتاله رصاص الجهلاء والمتعصبين المجهولين . ولا نظن أن القارىء اللبيب عندما يقرأ دراسة الكاتب والأديب السكندرى ملاك ميخائيل سيجد صعوبة في اكتشاف ذلك التطابق والتماثل شبه التام بين يوسف السباعى الحقيقى وبطل القصة في كل من مراحل الحياة المختلفة.