* الشرطة تمشط الزراعات.. والمواطنون ينددون بما حدث
تعيش مدينة القوصية بأسيوط حالة من الاستياء والقلق والترقب ،بعد ارتكاب جريمة أقل ما يقال عنها إنها شديدة البشاعة، حيث انتهك الجانى كل الأعراف وحرمة المسجد وراح يثأر بالقتل وإباحة الدماء فى بيت من بيوت الله. أهالى القوصية وأسيوط ينددون بما حدث ، مطالبين بمراجعة مفاهيم «أن الأخذ بالثأر شرف للعائلة ما بعده شرف»، فالعادات والتقاليد لا يمكن أن تجسد الواقع المأساوي، كما حدث فى جريمة القوصية، حيث لم يرحم الجانى فريسته التى ضلت طريقها ولم يجد مفرا للهروب سوى الاحتماء بالمسجد فدخل من باب «الوضوء» فأمطره بوابل من النيران أسقطه أرضا ليأخذ بثأره بعد ما يزيد على 4 سنوات، ويقتل شخصا آخر ليفتح على عائلته باباً جديداً للنار. بداية نشير إلى أن منطقة غرب مدينة القوصية تحولت إلى ثكنة عسكرية، بعدما فرضت الشرطة كردونا أمنيا حولها والتى يقطن بها أفراد العائلتين خوفا من تجدد الاشتباكات، حيث بدأت قوات الشرطة فى تمشيط الزراعات المجاورة لضبط المتهم قبل فراره مع تحرك ضباط مباحث القوصية لسماع شهود العيان، ورصد تحركاته الأخيرة والأماكن التى تردد عليها الجانى عقب الجريمة، مع فحص كاميرات الشوارع والمنازل الواقعة داخل حيز المنطقة لتحديد مسار هروبه. وأشارت التحريات الأولية إلى أن سبب الحادث هو تجدد خصومة ثأرية بين العائلتين طرفى النزاع منذ عام 2014، حينما حدثت مشاجرة بينهم انتهت بمصرع شقيق الجاني، وخلال هذه الفترة حاولت لجان المصالحات إنهاء الأمر صلحا بتقديم الكفن ،ولكن الجانى رفض وأصر على الأخذ بثأر شقيقه ،وانتظر لحظة وصول المجنى عليه للمسجد ودخوله من باب الوضوء ليطلق عليه المتهم وابلا من النيران أردته قتيلا وقتل شخصا وأصاب آخر تصادف وجودهما بالقرب من المجنى عليه. يقول أحمد محمود عامر مزارع إننا منذ الصغر نعيش وسط الخصومات الثأرية ،ونشأنا جميعا على تلك الأحداث التى ربما يتورط فيها البعض دون أى ذنب سوى أنهم ينتمون للعائلة، ولكننا تربينا على ثوابت وعادات وقواعد لا نتخطاها، وهى أن الثأر لا يؤخذ من سيدة أو طفل ولا داخل مسجد أو كنيسة ولا داخل عزاء، فجميع هذه العناصر لها حرمة أمام من يأخذ بالثأر، بل إنه ربما يعاير بارتكابه لمثل هذه الجريمة ويمقته المجتمع الذى نعيش فيه. وشاركه الرأى عادل محمد عبدالله بالمعاش أن الأخذ بالثأر هو كالبلاء الذى لا مفر منه ولكن له ضوابط لا يخرج عنها الجميع تصل إلى حد عدم إطلاق النيران على الشخص المستهدف إذا كان برفقته شخص من عائلة أخري، وذلك احتراما له وللعائلة وتجنبا لقتله عن طريق الخطأ، ومن ثم الدخول فى صفحة جديدة للثأر، خاصة وأن العائلة التى قتل ابنها بالخطأ لابد أن تأخذ بالثأر. ويضيف سامى خيرت رميح محام أن القوصية خصوصا كانت تعيش الهدوء النسبى مقارنة بالمراكز والقرى المحيطة ،نتيجة ارتفاع الوعى لدى المواطنين مع انتشار قصور الثقافة ، أما الآن فإننا نعيش حالة من فقدان الهُوية، وبعدما كان لكل عائلة كبيرها، يتدخل فى حل أى مشكلة والجميع يتقبل حكمه ،أصبح الآن الكبير هو أول المستهدفين. فيما يقول معتز أحمد محاسب إن المجتمع القوصى طرأت عليه الكثير من المتغيرات خصوصا بعد أحداث 25 يناير، وما أعقبها من حالة التغول العمرانى الذى ابتلع الأراضى الزراعية ليخلف حقدا وكراهية كبيرة بين فئات المجتمع، وكذلك انتشار الوافدين من قرى القوصية خصوصا التى تتسم بالعصبية وشراؤهم لمنازل بالمدينة ،وهؤلاء لهم عاداتهم وموروثاتهم الثقافية ،فكانت المحصلة ظهور حالة من العنف الشديد . ومن جانبه أعلن اللواء جمال نور الدين محافظ أسيوط إطلاق قوافل توعية بجميع القرى والمراكز ضمن مبادرة «أسيوط بلا ثأر» بجميع قرى ومراكز المحافظة، بالتعاون مع مديرية الأوقاف، ولجان المصالحات العرفية، لإنهاء الخصومات الثأرية بين العائلات، ونشر الوعى بأهمية حقن الدماء وتحكيم العقل وإنهاء الخصومات الثأرية والنزاعات عن طريق التصالح، مشيرا إلى مشاركة أكثر من 2000 إمام من مديرية الأوقاف بأسيوط فى القوافل الدعوية والتى تبدأ غداً بمركز القوصية الذى شهد تجدد بعض الخصومات الثأرية خلال الأيام الماضية على أن تستمر لتشمل جميع قرى ومراكز المحافظة. بينما أشار الشيخ عاصم محمود قبيصى وكيل وزارة الأوقاف إلى أنه تم التنسيق لبدء فعاليات القوافل الدعوية ضمن مبادرة «أسيوط بلا ثأر» بمشاركة أساتذة جامعة الأزهر لإنهاء الخصومات وحقن الدماء، والتوعية بحرمة قتل النفس وخطورة الثأر ،والآثار السلبية المترتبة عليه، فضلا عن حث الشباب على البناء والمشاركة فى عمليات التنمية وتوظيف طاقاتهم فى إقامة مشروعات تنموية.