لكل إنسان انتماءات متعددة يُفترض أن يكمل أحدها الآخر. فهو ينشأ فى قرية أو بلدة أو مدينة يعتز بها، وفى أسرة أو عائلة أو عشيرة يحبها، ويعتنق دينا معيناً, وينحدر من أصل أو عرق من الأعراق، وينتمى إلى دولة هى وطنه، وليست موطنه فقط. وبمقدار ما يشعر بأن انتماءه الوطنى هذا هو الأساس، وبأنه يجمع مختلف الانتماءات الأخري, يكون هذا الانتماء نعمة بالنسبة إليه، كما إلى غيره. وتعتبر هويته فى هذه الحال منفتحة. وعندما يكون الانتماء نعمة على هذا النحو، يكون التفاعل مع الآخر تعاونيا وخلاقاً ومفيداً للطرفين. فالانتماء الوطنى المنفتح لا يضع خطاً فاصلاً مع الآخر، بل يخلق جسراً معه، بخلاف الانتماء الضيق المنغلق (الدينى أو المذهبى أو العرقى مثلاً) الذى يجعل التفاعل مع الغير صراعياً، وصدامياً، وقد يصبح مدمراً، وربما يصير قاتلاً، كما هى الحال فى بلدان عربية عدة فى مرحلتنا الراهنة. غير أن هذا الانغماس فى انتماء ضيق ومنغلق يدنو الانتماء الوطنى العام على نحو يجعله نقمة قد يواكبه انغماس فى الوقت نفسه فى انتماء يبدو للوهلة الأولى واسعاً، مثل الانتماء العربى أو الاسلامي. لكن هذا الانتماء، الذى يبدو ظاهرياً أنه واسع، لا يقل ضيقاً عن الانتماء الدينى أو المذهبى أو العرقي، إذا كانا مرتبطين يغذى كل منهما الآخر، ويخلقان مواقف عدائية ضده فى الداخل، وفى الخارج، نتيجة تكوين صورة نمطية عن كل من هذين الآخرين على حدة، وعنهما معاً عبر الربط بينهما أو دمجهما فى الوقت نفسه. وفى هذه الحال، يبدو الآخر الداخلى كما لو أنه عميل أو تابع للخارجي. كما يبدو الآخر الخارجى كمن يستخدم الآخر الداخلى لاختراق بلد أو إضعافه. وليست حالة الجماعات السياسية والدينية والعرقية, والميليشيات المسلحة, فى بعض البلدان العربية اليوم إلا مثالاً واحداً فى هذا المجال. فويل للبلدان التى تتحول الانتماءات فيها إلى نقمة، ويضيق وعى كثير من أبنائها عن إدراك أن الانتماء الوطنى المنفتح الجامع لغيره من الانتماءات هو حجر الأساس فى بنائها. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد