شجون كثيرة حركتها ثلاث مناسبات كنت طرفا فى واحدة منها حين تم تكريمى فى دار الأوبرا المصرية مع خمسة من الرموز التى كرمتها منظمة التعاون الإسلامى فى أول مهرجان لها تحت شعار امة واحدة وثقافات متعددة فلسطين فى القلب.. المكرمون علامات بارزة فى العالم الإسلامى هم سمو الشيخ القاسمى حاكم الشارقة ود. نزار بن عبيد مدنى وزير الدولة للشئون الخارجية بالمملكة العربية السعودية سابقا وشيخ الإسلام شكر باشا زادة مفتى القوقاز والسيدة الأولى فى بوركينا فاسو فوفور ادجوافى سيكا كابورى وكاتب هذه السطور .. إن منظمة التعاون الإسلامى التى يرأسها الآن د. يوسف العثيمين تقيم هذا المهرجان الثقافى والحضارى الذى ينطلق من القاهرة للتأكيد أن الثقافة يمكن أن تكون من أفضل وسائل التقارب بين الشعوب وقد نجحت د.إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية فى أن تقيم فى دار الأوبرا عرسا ثقافيا جمع ممثلى 57 دولة عربية وإسلامية هم أعضاء المنظمة مع عدد كبير من السفراء العرب والاجانب.. لم تكن المناسبة الأولى التى تنطلق فيها الدعوة من مصر بلد الأزهر الشريف ولكن كان افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسى مسجد الفتاح العليم وكنيسة ميلاد المسيح فى العاصمة الجديدة تأكيد على روح التسامح والإخوة بين أبناء الشعب الواحد.. كانت المناسبة الثالثة هى لقاء فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر مع قداسة بابا الفاتيكان فرانسيس الثانى فى مؤتمر بدولة الإمارات العربية حول ثقافة السلم والتسامح والإخوة الإنسانية وكان لقاء الشيخ محمد بن زايد والشيخ محمد بن راشد يعكس صورة حضارية أمام العالم وقد أصدر المؤتمر وثيقة تدعو إلى التأخى بين الشعوب والأديان تمثل حدثا تاريخيا على كل المستويات بما فى ذلك مسجد يحمل اسم الطيب وكنيسة تحمل اسم فرنسيس.. هذه المناسبات حركت عندى شجونا كثيرة لأن الإسلام الذى عشناه وتعلمناه وكان دائما مصدر فخر واعتزاز لم يكن فى حاجة إلى أن نلحق به كل ما شاهدناه من المأسى فلم يكن دينا للإرهاب كما صوره الأعداء ولم يكن دعوة للصراع كما صوره الأبناء.. لقد وقع الإسلام فريسة بين أعداء شوهوه وبين أبناء خذلوه .. لقد عشنا كلنا فى حمى الإسلام ولم تعرف الشعوب الإسلامية فى دينها إلا المحبة والتسامح .. لقد عاش ملايين المسلمين فى الغرب مئات السنين ولم يكونوا طرفا فى صراع أو إرهاب أو حروب.. لقد فقد الغرب من شعوبه 60 مليونا فى الحرب العالمية الثانية ولم تكن إرهابا إسلاميا.. وكانت عصابات القراصنة تنتشر فى كل بحار العالم شرقا وغربا وكانت عصابات المافيا تمارس الإرهاب بين الناس ويكفى ما حدث للمسلمين فى البوسنة وما يحدث لهم فى الفلبين وما تلاقيه الأقليات المسلمة فى دول العالم من الظلم والعدوان.. إن المسلمين الآن يتخذون دائما موقف الدفاع عن دينهم أمام حملات ضارية نجحت فى تشويه صورة الإسلام أمام العالم من خلال نماذج كارهة لدينها واختارت الإرهاب طريقا.. ولم يكن من العدل أن نحكم على امة بتاريخها وشعوبها ودينها من خلال إعلام مغرض أو أصوات حاقدة.. إن الإسلام لم يكن يوما حتى وقت قريب بهذه الصورة المشوهة وأن يصل الأمر بالبعض فى التشكيك فى الإسلام الكتاب والرسول والعقيدة وأن يكون عداء بعض المسلمين لدينهم اشد ظلما من عداء الآخرين.. لا أتصور أن نبينا الذى وصفه الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز بقوله: «وإنك على خلق عظيم» .. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ».. «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».. وقوله صلى الله عليه وسلم : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» .. «إلا انى قد تركت بين يديكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدى».. هذا هو الإسلام الذى عرفناه ودرسناه وعشنا معه حياتنا لا فرق بين دين ودين وان جمعتنا كل الأديان على التسامح والمحبة.. إذا كنا الآن نسعى إلى توضيح صورة الإسلام الحقيقى وانه دين الإنسانية والتسامح فعلينا أولا أن نصفى أنفسنا لأن ما لحق بالإسلام من المآسى والكوارث لم يكن بسبب الهجوم عليه من الآخرين ولكن الإسلام يعانى الآن من ظلم أهله وأبناءه .. لسنا فى حاجة أن نقول للعالم إننا لسنا إرهابيين لأن الإرهاب لا دين ولا وطن له وهؤلاء الذين يرفعون راية الإسلام ولا يمثلون الإسلام فى شئ انهم قلة فاسدة من البشر وهم يظهرون فى كل مكان أمام الجهل والتخلف وغياب الوعى.. نحن فى حاجة أن نتحاور مع أنفسنا قبل أن نفتح الحوار مع الآخرين هناك حملة لإصلاح الخطاب الدينى مرت عليها الآن سنوات وانتهت عند فنانة خلعت حجابها أو كاتب تجرأ على الرسول أو مغامر يشكك فى القرآن الكريم.. نحن فى حاجة أن نثق فى ديننا ولا نترك دعاوى الجهل تسيطر على أفكارنا.. وإذا كنا بالفعل نسعى إلى صورة أفضل للإسلام الدين والعقيدة فإن فى الإسلام مصادر كثيرة للقوة والحوار والاجتهاد والعلم.. مازلت اعتقد أن إصلاح الخطاب الدينى كان ينبغى أن يجرى أولا فى غرف مغلقة بين من يعارضون ومن يؤيدون .. بين أهل للعلم وأصوات للإعلام بين أناس يحبون دينهم وآخرون يكرهون كل دين .. لم يكن منطقيا أن يثير كتاب يدعو لخلع الحجاب ضجة أكثر من كل الأحداث فى معرض الكتاب وأن تتجه كاميرات الفضائيات إلى خالعات الحجاب وليس إلى أصحاب الفكر والوعى والدين الصحيح هل من المنطق أن نقتصر قضية إصلاح الخطاب الدينى فى قضية الحجاب ومن ترتديه ومن تخلعه.. لا يمكن أن ينكر احد مثل هذه المناسبات التى تدعو إلى الإخوة الإنسانية والتسامح بين الشعوب لأن الأديان لا تعرف الكراهية وحين تشهد القاهرة مهرجانا ثقافيا وحضاريا لمنظمة التعاون الإسلامى والتى تضم 57 دولة فى دعوة لثقافات متعددة وأمة واحدة وفلسطين فى القلب منها فلا بد أن نعمل على أن تصل هذه الرسالة إلى كل من يهمه الأمر أن المسلمين أمة واحدة وان تعددت ثقافات شعوبها وتبقى فلسطين القضية والحلم فى القلب منها.. إن تشهد دولة الإمارات العربية مؤتمرا عن التسامح والإخوة الإنسانية بين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر وقداسة بابا الفاتيكان فرنسيس الثانى فهى دعوة للحوار على أسس من التفاهم والوعى والحرص على إنقاذ البشرية مما تعانيه من مظاهر الخراب النفسى والفكرى .. كانت نقطة البداية فى لقاء الكنيسة والمسجد فى العاصمة الجديدة منذ أيام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى ولعلها تكون انطلاقا لحوار حقيقى بين المسلمين وبين أنفسهم وأن يكون حديثنا أولا مع أنفسنا وشعوبنا . لست فى حاجه أن أؤكد أن الإسلام الدين والفكر والعقيدة ليس فى حاجة لأن ندافع عنه ولكن علينا أولا أن ندافع عن أنفسنا من هؤلاء الذين شوهوا صورته فى قلوب الناس أو جعلوا الإرهاب طريقا لهدم الشعوب والأمم.. أعود مرة أخرى إلى قضية إصلاح الخطاب الدينى لأننا حتى الآن لم نضع أقدامنا على الطريق الصحيح فى هذه القضية وليس هذا وقت الحساب من أصاب ومن أخطأ ولكن لا ينبغى أبدا أن ننقسم على أنفسنا بين فريق يسعى لتشويه صورة دينه وفريق يرى إننا نخسر كل شئ إذا خسرنا ديننا.. إن هناك عواصم عربية كثيرة تشارك الآن فى الحوار حول هذه القضية والشئ المؤكد إنها ليست قضية مصر وحدها وربما ليست قضية الدول العربية ولكنها قضية تخص امة كاملة يزيد تعدادها على مليار ونصف مليار مسلم يعيشون فى أكثر من دولة إسلامية إن موجات الهجوم على الإسلام لن تتوقف وان كنت أرى أن اخطر ما فيها أن تأتى السهام من أناس يدعون الإسلام وهم أدوات للقمع والقتل والإرهاب.. إن للإسلام رب يحميه ولا نخاف عليه ولكننا نخاف من أبناء خذلوه وأعداء شوهوه وليست المرة الأولى التى يتعرض فيها الإسلام لهذه الهجمة الضارية ولهذا علينا أن نحمى الإسلام من شطط وإرهاب بعض الأبناء لأن جرائمهم تسئ لكل مسلم اعتنق هذا الدين وآمن به.. إن جسور الثقافة يمكن أن تقرب المسافات بين الشعوب رغم اختلاف اللغات والأفكار والعقائد فما بالك ونحن أمام أمة واحدة يجمعها دين عظيم وتراث إنسانى عريق ودور لا ينكره إلا جاحد فى مسيرة الإنسانية .. إن انطلاق أول مهرجان ثقافى لمنظمة التعاون الإسلامى فى احتفالية ناجحة من قاهرة المعز يؤكد أن الثقافة بالوعى والحوار والحكمة تستطيع أن تمد جسورا للتواصل بين المسلمين والعالم كله .. علينا أن نعود إلى الجذور التى انطلقت منها مواكب التنوير فى العالم حين كان العالم الإسلامى مصدراً للوعى والفهم والمسئولية وعلى القاهرة قبلة العرب والمسلمين أن تستعيد دورها الفكرى والحضارى وقد كانت دائما أرضا لكل حوار خلاق..
ويبقى الشعر
أتيتُكِ نهراً حزينَ الضِفافِ فلا ماءَ عندي، ولا سنبلة فلا تسألى الرّوضَ كيف انتهيت ولا تسألى النهر من أَهْمَلَه أنا زهرةٌ من ربيعٍ قديمٍ أحَبَّ الجمال، وكم ظلله حقائب عُمرى بقايا سراب وأطلالُ حلمى بها مُهْمَلَة وجوهٌ على العينِ مرَّت سريعاً فمن خان قلبي، ومن دَلله ولا تسألى الشِعْرَ من كان قبلي ومن فى رحاب الهوى رَتّلَه أنا عَابِدٌ فى رِحَابِ الجَمَالِ رأى فى عيونكِ ما أَذْهَلَه يقولون فى القتلِ ذنبٌ كبيرٌ وقتل المحبينَ مَن حَلّلَه أناديكِ كالضوءِ خلفَ الغيوم وأسأل قلبكِ من بَدَّلَه وأصبحتُ كالنهرِ طيفاً عجوزاً زمانٌ من القهرِ قد أَثْقَلَه فهذا الحريقُ الذى فى يديكِ يثير شجوني. فمَن أَشْعَلَه وهذا الشموخُ الذى كان يوماً يضيءُ سماءَكِ مَن أَسْدَلَه أَعيدى الربيع لهذى الضفاف وقومى من اليأسِ، ما أَطْوَلَه فخيرُ الخلائقِ شعبٌ عنيدٌ إذا ما ابتدا حُلْمَهُ، أَكْمَلَه حَزينٌ غنائى فهل تسمعينَ بكاءَ الطيورِ على المِقْصَلَة أنا صرخةٌ من زمانٍ عريقٍ غَدَتْ فى عيون الورى مَهْزَلَة أنا طائرٌ من بقايا النسورِ سلامُ الحمائمِ، قد كَبَّلَه أنا جذوةٌ من بقايا حَريقٍ وبستان وردٍ به قُنْبُلَة فلا تسألى الفجر عن قاتليهِ وعن سارقيهِ. ومن أَجَّلَه ولا تسألى النَّهر عن عاشقيهِ وعن بائعيهِ، وما أَمَّلَه تعالى أحبُّكِ ما عاد عندي سوى الحب والموت والأسئلة زَمانٌ دميمٌ أذلَّ الخيولَ فما كان مني، وما كنت له خيولٌ تعرَّت فصارت نعاجا فمن روّج القُبحَ، مَن جَمَّلَة ومن علَّم الخيلَ أنَّ النباحَ وراء المرابينَ، ما أجمله هنا كان بالأمس صوتُ الخيولِ على كل باغٍ له جَلْجَلَة فكم أسقط الحقُّ عرشَ الطغاة وكم واجَهَ الزيفَ كم زَلْزَلة فكيفَ انتهى المجدُ للباكياتِ ومن أخرس الحقَّ، من ضَلَّلَة ومن قال أن البُكا كالصهيلِ وَعَدو الفوارس كَالهَرْوَلَه سلامٌ على كلِ نسرِ جسور يرى فى سماءِ العلا مَنْزِلَة
قصيدة الخيول لا تعرف النباح سنه 2000 لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة