عمر طاهر كاتب مغوار، يمتشق قلمه ويخوض به عباب كل بحور الكتابة، من الفيلم السينمائى للبرنامج التليفزيونى للمسرحية للمقالة الفكاهية للأغنية لمسلسل الكارتون للنص المفتوح التى تتلاطم فيه كل فنون التعبير اللغوى. بدأ شاعراً فأصدر 4 دواوين من قصائد النثر العامية بين عامى 1998 و2005، وفى نفس الوقت كان يمارس ولايزال الكتابة الصحفية. وفى 2008 صدر ديوانه الخامس «قهوة وشيكولاتة». وأخيراً صدرت له رواية بعنوان «كُحل وحَبّهان» عن دار الكرمة تخمَّرت فيها تجاربه المتنوعة فى الكتابة بعد عشرين عاماً من الإبحار لم تخلُ من الجسارة والمغامرة. فى كُحل وحَبّهان يتآزر الكاتب الصحفى مع الشاعر فى تقديم نص بسيط يبدو للوهلة الأولى أنه ينتمى للكتابة الخفيفة التى تُعجب القارئ العام, إلا أن روح الشاعر وقدراته وخياله يمتزج بلغة الكاتب الصحفى الميَّال للفكاهة فى صياغة تتآلف فيها مناطق السرد العادىّ مع صفحات تتحول فيها مفردات الحياة اليومية, خاصة ما تطبخه الأم وما يحتويه مطبخها من توابل، تتحول إلى استعارات ومجازات تجعل مما نعرفه بحاستى الذوق والشم معانى وأحاسيس وذكريات وخلاصات لتجارب إنسانية عميقة. مثال على ذلك هذه الفقرة: «.. دسست أنفى فى حفنة حبهان. للحبّهان سحر وقور.. رائحته لها علاقة بأول الخلق، غموض التجربة الجذاب. عندما أغمضتُ عينيّ كانت هناك جزيرة تختلط فيها الجبال بالأشجار، وعلى شاطئها فرن بلدىّ تخبز فيه جدتى «الشُّريك»، شعرتُ أنه أفضل ما تداوى به مغترب، يطبطب كزيارات الأحباب المفاجئة».. هذا عن الحبّهان، فماذا عن الكُحل؟ ولماذا سمى عمر طاهر روايته «كُحل وحَبّهان»؟ وكيف يمكن تلخيص موضوع هذه الرواية فى ضوء هذا العنوان؟ «كُحل وحَبّهان» تتحدث عن الطفل الذى كبر، وصار عاشقاً, ثم زوجاً. هو طفل وُلد ونشأ فى بيت ميسور فى مدينة صغيرة بصعيد مصر، ثم صار شاباً مغترباً فى العاصمة حيث درس الصيدلة ثم عمل بإحدى الشركات، لكنه ظل يحمل ذلك الطفل الذى تعودت أمه وعوّدته أن تعبر عن حبَّها وحنانها من خلال التفنن فى إطعامه. من هنا جاء الحبَّهان؛ أما الكحل فينتمى لصافية، زميلته فى الشركة والتى تسللت إلى قلبه أيضاً عن طريق إطعامه، ووجد فيها صورة أخرى من أمه، وطريقاً لتكرار البيت الدافئ الذى تربّى فيه. هذه خلاصة موضوع الرواية. أمَّا بناؤها وعمارتها ففيه قدر من الافتنان والتركيب: إذ يقسمها عمر طاهر لخمسة أقسام، يحتوى كل منها على يوم من أيام الطفل عبد الله (بطل الرواية) وهو فى بيت الطفولة، يليه فصل من حكاية الحُبّ بينه وبين صافية بعدما كبر وعمل بإحدى شركات الأدوية فى القاهرة. الأيام الخمسة متتالية وتسبق تنفيذ وعد وعده به أبوه لحضور حفل محمد منير الذى أقيم بتلك المدينة الصغيرة، وكان حدثاً غير مسبوق؛ لكن الوعد ارتبط بشرط أن يتأدب عبد الله ويحسن السلوك فى الأيام الخمسة التى تسبق موعد الحفل. ويجمع بين فصول الطفولة وفصول الشباب كفاح البطل للفوز، إما بحضور الحفل أو بقلب صافية، والأخطاء التى ارتكبها أثناء ذلك وكادت تحرمه من الثمرة المشتهاة، لولا أن استماتته فى الكفاح ورحمة الرحمن نصرته فى النهاية. الرواية, من حيث البناء أو من حيث النسج والصياغة اللغوية, تعكس خيالاً مقتحماً غير هيّاب ونزوعاً لابتداع أشكال جديدة, لمسْتُه أيضاً فى عمله «إذاعة الأغانى» الصادر عام 2015، الذى ارتاد فيه منطقة بكرا من التعبير الأدبىّ يعتمد على بعض الأغانى الأثيرة لديه.. وقد تكون موضوعاً لحديث آخر إن شاء الله. لمزيد من مقالات بهاء جاهين