يظن كثير من الناس أن النجاح فى العمل هو سبب السعادة .. لكن دراسات علمية حديثة اثبتت العكس واكتشفت بالتجربة العملية أن السعادة هى التى تسبب النجاح فى العمل! لايمكن لإنسان طبيعى فى أى دولة بالعالم وتحت مظلة أى نظام اقتصادى أن ينتج ويتقدم إلا إذا كان راضيا عن وظيفته وعمله ويستحيل أن يكون مبتكرا وخلاقا وصاحب إنجاز يذكر وهو تعيس أو مشتت نفسيا أو يشعر بالإحباط المستمر!! أحد التطبيقات على الهاتف المحمول ساعدت علماء الاقتصاد فى لندن بالتوصل لنظرية اطلقوا عليها (عداد المتعة) وهى ترصد العلاقة بين الدخل والقدرة على الشراء و مستوى المعيشة الجيد وبين الراحة النفسية والسعادة من جانب آخر وكأن الانسان كلما انفق النقود تولدت فى عقله وجسمه مادة كميائية تجعله يستشعر اللذة النفسية. ....................... وفى المقابل اثارت منظمة الصحة العالمية ضجة حين تنبأت أنه فى العام 2020 سيكون أهم أسباب الموت فى العالم هو اختلال الصحة العقلية والنفسية عند البالغين كما أن الاحساس بالوحدة والبطالة أو الاحباط الوظيفى وعدم الاحساس بالتحقق أو السعادة فى العمل وبحسب كتاب (صناع السعادة..كيف باعت لنا الشركات والحكومات الرفاهية؟) للمؤلف ويليام ديفيز سلسلة عالم المعرفة، صار يكلف الإقتصاد خسائر بالمليارات وعلى سبيل المثال يخصم نحو 4% من الناتج المحلى فى أوروبا وأمريكا الشمالية؛ فمابالك بشعوب دول العالم الثالث رصدت الدراسات أن التشتت وانعدام الحماسة والمتاعب النفسية عموما تسبب تكرار التغيب عن العمل لأسباب مرضية أو لأسباب مزمنة غير واضحة والنتيجة أن يتكلف المجتمع أكثر مما يخسره بسبب شيوع الجريمة. والمثير للدهشة والسخرية معا أنه مع سياسات التقشف الحكومى تنتشر بالتوازى ظاهرة العلاج بالكلام والتنمية البشرية والنتيجة أن يتحصل المدراء بالشركات الكبرى على مبالغ هائلة وينتعش بيع المكملات الغذائية المنشطة و يتلقى النخب دروسا كى يصبحون اكثر اشراقا ويحافظون على طاقتهم ولياقتهم النفسية بعيدا عن تشاؤم وبلادة الفقراء! هذا لا يمنع البعض من استخلاص نظرية انتاج السعادة ذاتيا؛ بمعنى ان السعادة استعداد و رغبة وتمرين وكلما تدربت على استخدام عضلة السعادة فى دماغك وحياتك اليومية قويت تلك العضلة وامكنك الاعتماد عليها.. لكن عقب الحروب والازمات الكبيرة ظهر مايسمى ب (الاجهاد النفسى) للشعوب فبعض المجتمعات تصبح مريضة وتصاب بالخمول والمشاعر السلبية وتفقد قدرتها على التكيف او الاستجابة الصحيحة للمنبهات الخارجية وفى تلك المجتمعات المجهدة نفسيا يتركز كل انسان حول ذاته كأنه يجنب نفسه العداوات الشخصية والمعاناة. وان كانت الاصابة بالاكتئاب فى الدول الفقيرة مفهوما الى حد ما فإنه فى أمريكا مثلا حسب الدراسات المسحية انتشر بسبب القيم المنصبة على المال والنفوذ و حالة الهوس بالكمال (فكرة السوبر مان) والمنافسات الشرسة مع الاخر لدرجة تهدد الاحساس بقيمة الذات ومن هنا بدأ اهتمامهم يزداد برصد أسباب السعادة وتحسين بيئة العمل التى كشفت الدراسات العلمية أنها مؤثرة للغاية فى صحة الإنسان وانتاجه فإن كان العمل يشعرك بعدم الأهمية وعدم التأثير أو أنك لا تشارك بالرأى ولا تصنع فارقا تزداد وقتها نسب الإصابة بأمراض الضغط والقلب وتصلب الشرايين بينما يسعى البعض للعمل التطوعى والخيرى وغير الهادف للربح طالما أنه يعزز ثقته بتأثيره فى المجتمع ويقلل من احساسه بالوحدة والمادية والاجهاد النفسى وإن كان العمل التطوعى غير قادر على سداد الفواتير فى نهاية الشهر! من جانب آخر نجد الشركات العالمية الكبرى وكذلك بعض الحكومات توظف كل دعايتها كى تبيع للناس حلم السعادة والرفاهية من خلال شرائهم السلع المادية بأكبر صورة ممكنة؛ والدراسات النفسية تعاند وتشير فى الوقت نفسه إلى أن التعلق بالماديات وحيازة السلع بتراكم غير ضرورى هو سبب الأحاسيس السلبية وانعكاس واضح للخوف والشعور بالخواء والوحدة! الإعلانات والدعاية تطاردنا فى كل شارع ومكان وتقدم وعودا طوال الوقت بالقدرة والسيطرة والسعادة والرفاهية... لكن الشعوب فى المقابل فقيرة ومجهدة وتعانى نفسيا وصحيا وبحسب كتاب «صناع السعادة..»؛ لا يوجد يوتوبيا وعالم مثالى على الأرض.. وأصحاب المصالح مخادعون والعلامات التجارية تغرقنا بوعود وبريق زائف والاستهلاك ليس حلا.. يبقى للإنسان مخرج أخير ينقذه من التعاسة و يمسح عنه الهموم ويجعله يبتسم ويعيش ويكمل بنجاح.. ذلك هو الأمل !