بعد ما يزيد على 120 عاما من عمر السينما، تهدد قنوات البث الإلكترونى كبرى استديوهات هوليوود، فى الوقت الراهن، سواء فى نوعية الإنتاج الفنى أو جنى الأرباح، وتدفع باتجاه ثقافة المشاهدة الفردية بالمنزل على حساب المشاهدة بدور العرض. جذبت هذه القنوات الأنظار بإنتاجها أفلاما حققت رواجا شعبيا واسعا، وإن لم تحظ بأى اهتمام بين النقاد، ومن أبرزها فيلم «بيرد بوكس» وهو من نوعية أفلام الرعب، ومن بطولة النجمة الشهيرة ساندرا بولوك، فقد حقق 45 مليون مشاهدة فى الأسبوع الأول لبثه. وتحول إلى تحد شعبي، حيث ذهب البعض إلى حد قيادة سياراتهم وهم معصوبو الأعين ونجم عن ذلك حوادث مميتة، مما دفع القناة لرفع الفيلم من منصتها لفترة، قبل أن تعود لبثه مجددا. وتأسست أبرز شركة لقنوات البث الإلكترونى فى عام 1997، حيث كانت تعمل فى بيع وتأجير الأقراص المدمجة (دى فى دي، وبلو راي). وبمرور الوقت أصبحت الشركة متخصصة فى تزويد خدمة البثّ الحى والفيديو حسب الطلب وتوصيل الأقراص المدمجة عبر البريد. وفى عام 2013، توسعت الشركة بإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية، وتوزيع الفيديو عبر الإنترنت مع توافر خدماتها فى أكثر من 190 دولة حول العالم حاليا وأكثر من 137 مليون مشترك، حسب آخر إحصاء فى أكتوبر عام 2018. وبمعنى آخر، تحولت من شبه محل تأجير شرائط فيديو إلى شبكة لا تسعى فقط للانتشار بل للسيطرة ووضع قوانين جديدة لعالم الترفيه حول العالم. ومنذ أن بدأت منصات البث الإلكترونى بطرح أفلامها فى دور العرض، ثارت مناقشات وتعليقات فى أروقة صناعة السينما الأمريكية والعالمية حول ما إذا كانت هذه الأفلام تستحق التقدير والاعتراف بها شأنها شأن الأفلام التقليدية التى يتم إطلاقها فى دورالعرض، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجوائز المرموقة. كما زادت المخاوف مع تطور شاشات التليفزيون، وارتفاع جودة المحتوى التلفزيوني، مما أسهم فى زيادة الإقبال على مشاهدة الأفلام فى الأجهزة التكنولوجية المحمولة عن الذهاب لدور العرض. ولكن ما الذى يدفع القنوات الرقمية إلى تبنى مشروعات ذات ميزانية كبيرة قد ترفضها استوديوهات عملاقة خوفا من الخسارة؟ الإجابة هنا أن الشبكة تعطى أولوية للربح فى المرحلة الحالية. وبالطبع هناك فارق كبير نسبيا بين تكلفة العرض السينمائى وتكلفة البث الإلكترونى ، لكن ما يشغل القائمين على الشركة العملاقة فى المرحلة الحالية هو نشر ثقافة المشاهدة عبر الإنترنت وليس نشر المحتوى نفسه. ويبدو أن تغيير ثقافة المشاهدة هو ما تطمح إليه هذه القنوات وترى فيه المستقبل. لكن التهديد الحقيقى لذلك النهج يتمثل فى أنه قد يؤدى إلى الاتجاه نحو الترفيه بأرخص الأسعار على حساب الفن السينمائي. وهو ما سيؤثر بالتبعية على عدد الأفلام المطروحة بدور العرض. ولذلك يظل السؤال مطروحا: هل السينما فن مجرد من أى مطامع مادية أم وسيلة ترفيه ومادة للاستهلاك الفردي؟.