هل يكون 2019 البداية لحل كثير من الأزمات التي تغرق العالم العربي، اعتقد أن هناك عدة مؤشرات توضح أنه قد يكون عام الحسم في كثير من تلك الأزمات. ولعل علي رأس تلك الأزمات القضية الفلسطينية، ومنذ أكثر من عامين والحديث يتردد عن خطة للرئيس الامريكي دونالد ترامب لوضع حل جذري للصراع العربي الإسرائيلي اشتهرت باسم صفقة القرن، ورغم أنه لم يتم الإعلان رسميا عن أي تفاصيل عن تلك الخطة حتي الآن، فإنه أصبح معروفا النقاط الجوهرية التي تتضمنها منذ أن تحدث عن تفاصيلها موقع «ميديل إيست آي» البريطاني، نقلا عن مصدر دبلوماسي غربي ومسئولين فلسطينيين عام 2017، وتضمن إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة والمناطق (أ، وب) وأجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية، مع توفير الدول المانحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية بما في ذلك مطار وميناء بحري في غزة والإسكان والزراعة والمناطق الصناعية والمدن الجديدة. وأن يتم تأجيل وضع القدس وقضية عودة اللاجئين لمفاوضات لاحقة، ثم تجري مفاوضات حول محادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والدول العربية. والحقيقة أن كل تصريحات المسئولين الامريكيين حول تصوراتهم للوضع في المنطقة تدور حول إقامة دولة فلسطينية بشكل يراعي كل متطلبات الأمن الإسرائيلي، وتقديم حوافز اقتصادية كبيرة تشجع الفلسطينيين علي الموافقة، وبذلك تنتهي المشكلة الفلسطينية وتبدأ المرحلة الثانية بسلام جماعي عربي إسرائيلي يقوم علي التعاون الاقتصادي، وتحالف في مواجهة الخطر الإيراني، وهو الخطر الوحيد الذي تراه الولاياتالمتحدة في المنطقة. ولعل آخر التصريحات التي أشارت إلي هذا التصور الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو في الجامعة الامريكية بالقاهرة منذ عدة أيام، وقال فيه إن إدارة ترامب ستواصل الضغط من أجل التوصل إلى سلام حقيقي ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين، مشيرا إلي الاعتراف بالقدس كمقرّ للحكومة الإسرائيلية ونقل السفارة الامريكية إلي هناك. ثم يتحدث بومبيو عن أن إدارة ترامب تعمل أيضاً على تأسيس التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط لمواجهة التهديدات الأكثر خطورة في المنطقة وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة، مشيرا إلي الزيارات التي قام بها مسئولون اسرائيليون أخيرا إلي بعض العواصم الخليجية، مشيرا أيضا إلي أن هذه الخطوات نحو التقارب ضرورية من أجل تحقيق أمن أكبر في مواجهة تهديداتنا المشتركة، كما أنها تشير إلى مستقبل أكثر إشراقا للمنطقة. وهناك تلميحات كثيرة بأن صفقة القرن قد تعلن رسميا منتصف العام الحالي بعد الانتخابات الاسرائيلية، إلي جانب توفير كل عوامل القبول لدي كل الأطراف المعنية، والبدء في تصفية قضية اللاجئين تدريجيا بتوطينهم في دول مضيفة، واقتصار حل مشكلة القدس علي وضع المسجد الأقصي تحت إشراف عربي، وتأكيد حرية الوصول له. أما بالنسبة للوضع في سوريا، فلابد من الإشارة إلي تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي أعلن فيها أن 2019 سيشهد انطلاق المرحلة السياسية للتسوية في سوريا، معربا خلال مؤتمره الصحفي السنوي عن ارتياحه إزاء سير عملية التسوية، وموافقة الرئيس السوري بشار الأسد علي قوائم المرشحين للجنة الدستورية. والحقيقة أن التسوية السياسية في سوريا اصبحت أقرب من أي وقت مضي، فقد تأكد لجميع الأطراف بلا أدني شك عدم قدرة أى منهم علي حسم الصراع عسكريا لمصلحته، خاصة بعد أن تورط في الأزمة قوي دولية وإقليمية عديدة مثل الولاياتالمتحدة وروسيا وإيران وتركيا ودول خليجية، واضحي الحل يتطلب توافق هذه القوي كي تضمن الحفاظ علي مصالحها. كما نجحت الدولة السورية في استعادة جزء كبير من تماسكها، والسيطرة علي معظم الأراضي السورية التي سبق أن استولت عليها جماعات المعارضة المسلحة أو تنظيم داعش، وكان ذلك أحد العوامل المهمة لتعديل معظم جماعات المعارضة وبعض القوي الدولية موقفها من الرئيس بشار الأسد، واختفت نغمة أنه لا دور للأسد في أي تسوية سياسية، وضرورة تنحيه عن موقعه كشرط لأي تسوية، فبقاء الأسد من وجهة نظر المجتمع الدولي خلال المرحلة الانتقالية يضمن انتقالاً سلساً برعاية دولية، ويضمن عدم سقوط دمشق بأيدي المتطرفين، وعدم حدوث فوضى قد تنعكس على دول الجوار، لا سيما إسرائيل. ويساعد علي التقدم في التسوية السياسية إدراك دول عربية عديدة خطأ تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، مما أدي إلي انفراد إيران وتركيا بالتحكم في الوضع السوري، وتقرير مصير هذا البلد العربي المهم بالتنسيق مع القوتين العظميين أمريكا وروسيا بمعزل عن العرب، وكان لابد للعرب من العودة إلي دمشق مرة أخري حفاظا علي أمنهم القومي بالدرجة الأولي، ولدعم الدولة الوطنية في سوريا. وفي اليمن، ورغم الاصرار الأمريكي علي ضرورة إنهاء الحرب هناك، إلا أن الموقف مازال معقدا بعد تعثر تنفيذ اتفاق استكهولم بين الحكومة والحوثيين، والانسحاب من ميناء ومدينة الحديدة، مما أدي الي تعثر محاولات المبعوث الأممي مارتن جريفيث بعقد جولة جديدة من مباحثات السلام، حيث أكدت الحكومة اليمنية إن الحديث عن جولة جديدة من المشاورات مع الميليشيا الحوثية قبل تنفيذ التزاماتها التي نصت عليها اتفاقات السويد والقرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة اليمنية، وآخرها قرار مجلس الأمن، عبث واستهلاك للوقت واستهتار غير مقبول بالمعاناة والأوضاع الإنسانية المتردية في باقي مناطق سيطرة الميليشيا. والمشكلة الحقيقية أن الأزمة اليمنية ترتبط بالصراع العربي الإيراني الذي يرتبط بدوره بالصراع الامريكي الإيراني، وتشكل الأراضي العربية الملعب الرئيسي له، ليس في اليمن فقط ولكن في سوريا ولبنان والعراق والبحرين .. وغيرها، وقد يؤدي انفراج الأوضاع في سوريا والعراق إلي تأثير إيجابي علي الأزمة اليمنية. وفي جميع الأحوال قد يشهد هذا العام حسما لبعض الأزمات العربية، التي تحولت إلي مستنقع لأطراف كثيرة. لمزيد من مقالات فتحى محمود