هل يمكن وصف عام 2018 فى كلمة واحدة؟ عادة من الصعب أن تفى كلمة واحدة بالغرض. ففى السنوات الماضية كانت القواميس العالمية من أكسفورد إلى كامبرديج، مروراً بكولينز و «ديكشنرى دوت كوم»، غالباً ما تختار ثلاث أو أربع كلمات تلخص «روح» العام. لكن ربما 2018 كان عاما مختلفا، فهناك كلمة أساسية يبدو أنها وحدت الكثيرين حولها بوصفها الكلمة القادرة على تلخيص العام وهى «مسمم» أو (toxic). فقد اختار القائمون على قاموس أكسفورد «مسمم» كالكلمة الأساسية التى عكست «المزاج القاتم» لعام 2018. ووفقاً لقاموس أكسفورد، فقد كانت هناك زيادة بنسبة 45% من عدد المرات التى تم فيها البحث عن كلمة «مسمم» على الإنترنت مقارنة بالعام الماضي. لكن اختيار الكلمة لم يكن فقط لأسباب إحصائية، بل لأنها استخدمت فى سياقات متعددة، من الخطاب السياسى الاستقطابي، إلى الخطاب الثقافى الإقصائي، إلى الخطاب الحقوقى التمييزى المنغلق المعادى للنساء والأقليات والهجرة. ويقول القائمون على قاموس أكسفورد إن كلمة «مسمم» بهذا المعنى تعبر عن روح ومزاج وقضايا عام 2018. فالكلمات الأكثر شيوعاً هذا العام كانت «الثقافة المسممة» و «الهواء المسمم» و«الذكورية المسممة» و «النقاش السياسى المسمم». الخوف من فقدان المحمول هاجس جديد كلمة مسمم أو (toxic) مشتقة من اليونانية وتعنى «السهم المسموم» الذى كان يستخدم فى الحروب قبل اختراع الآليات العسكرية. ولم يكن للكلمة دلالة سياسية أو ثقافية حتى الثمانينيات من القرن الماضي. لكن الاستخدامات المجازية المتزايدة للكلمة أدت إلى وضعها فى قلب النقاش السياسى والثقافى واللغوى اليوم. فخلال 2018 ارتبطت كلمة «مسمم» بالعديد من الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية التى شهدها العام مثل الجدل السياسى السام فى بريطانيا حول البريكست، واستخدام غاز سام الأعصاب «نوفيشوك» فى مدينة ساليسبرى فى بريطانيا ضد جاسوس روسى سابق وابنته، والنقاش السام فى أمريكا على خلفية تعيين القاضى بيرت كافناه فى المحكمة الدستورية الأمريكية رغم اتهامه بالتحرش الجنسي، والنقاش حول الاستغلال السام للسلطة من قبل الرجال فى هوليوود، والجدل الحاد حول المناخ والبيئة حيث ظهرت طوال العام تعبيرات مثل «المواد السامة» و «الغاز السام» و«النفايات السامة» و«الهواء السام».ووفقا لقاموس أكسفورد، فإن اللجنة المعنية باختيار كلمة العام كانت تتجه لاختيار كلمة «الذكورية المسممة» (toxic masculinity) ككلمة عام 2018 للتعبير عن سوء استغلال علاقات القوي، لكنها وجدت أن كلمة «مسمم» استخدمت بكثافة لوصف أماكن العمل، والمدارس، والعلاقات الإنسانية، والثقافات، وفضائح التحرش الجنسى وحركة «أنا أيضاً»، وتلوث البيئة، واللغة السامة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل اللجنة تقرر فى النهاية أن كلمة «مسمم» وحدها بدون إضافة أى وصف آخر يجب أن تكون كلمة العام. فوبيا فقدان المحمول: أما قاموس كامبريدج فقد اختار كلمة «الخوف من فقدان التليفون المحمول» أو (Nomophobia) وهى كلمة مختصرة لتعبير (no-mobile-phone phobia). وهذه كلمة حديثة تعبر عن ظاهرة جديدة، وهى ظاهرة الأشخاص الذين ينتابهم الخوف من فقدان الهاتف المحمول أو الخوف من عدم امتلاك القدرة على استخدام هاتفهم المحمول فى أى لحظة. وتمت صياغة هذا التعبير خلال دراسة عام 2008 من قبل هيئة البريد البريطانية عندما كلفت مركز قياس الرأى العام البريطانى بدراسة التأثيرات النفسية التى يعانى منها مستخدمو الهاتف المحمول. ووجدت الدراسة أن ما يقرب من 53 % من مستخدمى الهواتف المحمولة فى بريطانيا يميلون إلى القلق عندما يفقدون هاتفهم المحمول بسبب نفاد البطارية أو نفاد الرصيد أو بسبب عدم وجود تغطية للشبكة. ووجدت الدراسة، التى أخذت عينات من 2163 شخصاً أن حوالى 58% من الرجال و 47% من النساء يعانين من فوبيا فقدان التليفون أو فقدان القدرة على استخدامه، و 9% يشعرون بالتوتر عندما تكون هواتفهم المحمولة متوقفة عن العمل. وذكر 55% ممن شملهم الاستطلاع أن التواصل مع الأصدقاء أو العائلة هو السبب الرئيسى الذى جعلهم يشعرون بالقلق عندما لا يمكنهم استخدام هواتفهم المحمولة. وقارنت الدراسة مستويات الإجهاد الناجمة عن فوبيا فقدان القدرة على استخدام المحمول، بمستويات القلق المصاحبة ليوم الزواج أو زيارة طبيب الأسنان لخلع ضرس. ومن أغراض تلك الفوبيا، القلق البالغ، والشعور بالكآبة، والتقلبات النفسية، والخوف، والشعور بالوحدة. «العدالة» و«التضليل» أما قاموس «كولينز» فقد اختار كلمة «أحادى الاستخدام» (single-use) فى إشارة إلى المنتجات البلاستيكية التى تستخدم عادة لمرة واحدة مثل أكياس البلاستيك للتسوق أو أكواب القهوة السريعة، والتى ادى انتشارها الواسع إلى تحويل البحار والأرض لمدافن للنفايات القاتلة. وحالياً يتم استخدام نحو تريليون كيس من البلاستيك أحادى الاستخدام سنوياً حول العالم، أى ما يساوى 2 مليون كيس فى الدقيقة وهو ما يشكل عبئاً قاتلا على البيئة. فيما أختار قاموس «ميريام -وبستر» كلمة «العدالة» (Justice) ككلمة عام 2018، موضحاً ان مفهوم العدالة كان فى القلب من الكثير من النقاشات بدءاً من النقاشات حول العدالة الاقتصادية، والجنائية، وبين الجنسين، وبين الأعراق. وأشار إلى ان كلمة «عدالة» زاد البحث عنها 74% مقارنة بعام 2017. أيضا من ضمن الكلمات التى وضعها قاموس «ميريام -وبستر» فى قائمته القصيرة كلمة «قومي» (national) بعدما زاد البحث عنها 8000% بعدما وصف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نفسه ب«قومي». أما موقع «ديكشنرى دوت كوم» فاختار كلمة «التضليل» (misinformation) ككلمة للعام. ويعرف القاموس الكلمة بأنها «المعلومات الكاذبة المنتشرة، بغض النظر عما إذا كانت هناك نية للتضليل». ويوضح أن الفرق بينها وبين كلمة (disinformation) أن الأخيرة تتضمن «نية التضليل العمد»، بينما كلمة (misinformation) تشير إلى ظاهرة جديدة نسبياً وهى انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعى بسبب الجهل وحسن النية وغياب القدرة النقدية، أكثر مما هو بسبب تعمد نية التضليل. قاموس البريكست: طبعاً لأن البريكست ما زال أحد أهم القضايا على المسرح الأوروبي، فقد وردت فى القوائم القصيرة عدة تعبيرات مرتبطة به، من بينها الكعكة (Cakeism) وهى كلمة دخلت قاموس البريكست من أوسع أبوابه ومنه دخلت للقواميس العالمية وتشير لنهج فى التفكير يقوم على محاولة «الجمع بين المتناقضات» على غرار رغبة انصار البريكست فى الخروج من الاتحاد الأوروبى وفى نفس الوقت استمرار التمتع بكل مزايا العضوية. والتعبير جاء من المثل المعروف «يأكل الكعكة ويحتفظ بها فى نفس الوقت»، وهو تعبير يشير لاستحالة تحقيق الشيئين معاً، أى أن تحتفظ بالكعكة كما هي، وتأكل جانباً منها من ناحية أخري. أيضاً ورد فى القائمة القصيرة لقاموس «كولينز» تعبير «فخذ خنزير» (Gammon) وهو تعبير يستخدم عادة فى بريطانيا كمصطلح نقدى للرجال البيض كبار السن من الطبقة الوسطي، الذين تصبح وجوههم حمراء قانية (مثل اللحم الطازج) بسبب الغضب عند التعبير عن آراء سياسية مغايرة لما يعتقدون، وعادة يكون هؤلاء من اليمين السياسي، وأكثر ما يثير غضبهم نقد البريكست الذى صوتوا له بنسبة عالية. التلاعب بالعقول: وإضافة للكلمات المتوجة بكلمة العام، كانت فى القوائم القصيرة كلمات أخرى مهمة، فقد شملت قائمة أكسفورد للكلمات المتنافسة، كلمة «شعلة الغاز» (gaslighting)، أى محاولة جعل الشخص يشك فى ذاكرته وقدراته العقلية عبر التلاعب والتحايل. والتعبير مستوحى من فيلم شهير بنفس الاسم أنتج 1944 من بطولة انجريد بيرجمان، تدور حبكته حول زوج يحاول إيهام زوجته بأنها مجنونة عبر استخدام عدد من وسائل التلاعب النفسي. وأوضح قاموس أكسفورد انه اختار الكلمة لوصف التكتيكات المتكررة التى استخدمها دونالد ترامب للفت الأنظار بعيداً عن الحقيقة ومحاولة خلق حقائق بديلة ب»تكذيب» كل ما لا يتفق مع مصالحه و«التلاعب» بعقول مؤيديه. أيضا من ضمن كلمات العام وفقاً لأكسفورد كلمة «الغضب من التكنولوجيا» (tech-lash)، الذى يُعرّف بأنه «رد فعل سلبى قوى وواسع النطاق على القوة والتأثير المتنامى لشركات التكنولوجيا الكبري، لا سيما تلك الموجودة فى «وادى السيليكون» فى كاليفورنيا بعد عدة فضائح كبرى من بينها تبادل المعلومات الشخصية لمستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى فى أغراض تجارية دون علم المستخدمين، والتحرش الجنسي، والتهرب من الضرائب. أيضا ضمن كلمات العام «المدار» (orbiting) والتى تشير لظاهرة انسحاب شخص فجأة من الاتصال المباشر مع شخص آخر مع الاستمرار فى مراقبته ومراقبة نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي. أيضا ضمن كلمات العام «السياحة المفرطة» أو (Overtourism)، وتشير لزيادة ضارة فى الزيارات إلى وجهة سياحية ذات شعبية كبيرة، ما يؤدى إلى إلحاق ضرر بالبيئة المحلية والمواقع التاريخية ونوعية حياة السكان المحليين. أنها قائمة طويلة وعابسة وقاتمة لكلمات العام، ليست من بينها كلمة واحدة تدعو للتفاؤل، وهى تسير على نهج كلمات عامى 2017 و2016. ففى 2017 اختار قاموس «كولينز» كلمة «أخبار وهمية» (Fake News) ككلمة العام. فيما اختار موقع «ديكشنيرى دوت كوم» كلمة «تواطؤ» (Complicit) بسبب الصمت أمام الممارسات الخاطئة، بينما وجد قاموس «وبستر» أن كلمة العام يجب أن تكون «الحركة النسوية» (Feminism) استجابة لظهور حركة «أنا أيضاً». أما 2016، وهو عام انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأمريكا وتصويت بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبى فقد اتفقت غالبية قواميس العالم على أن كلمة 2016 يجب أن تكون «ما بعد الحقيقة» (Post-Truth) للتعبير عن الدور الهائل والمخيف الذى لعبته الأكاذيب فى تحريك العالم خلال ذلك العام. المرجو الآن أن تكون كلمة عام 2019 على النقيض من كل هذا. فبعد كلمة «مسمم» أو (toxic) لا مجال لكلمات أكثر قتامة، لا فى اللغة ولا فى الممارسات السياسية والثقافية والبيئية اليومية.