مازال موقف الرئيس الراحل أنور السادات تجاه التعددية الحزبية فى حاجة إلى دراسة، رغم كثرة ما كُتب عنه، من أجل فهم أفضل لما ينطوى عليه من مفارقات. والملاحظ أولاً أن مبدأ التعددية لم يكن ضمن تكوينه الفكرى والسياسى . فقد تأثر بالتجربة الألمانية عندما راهن، مع غير قليل من المصريين، على أن انتصار دول المحور فى الحرب العالمية الثانية يمكن أن يحرر مصر من الاحتلال الإنجليزي. كما آمن، بعد ثورة 1952، بأولوية التنمية على ما عداها، وتبنى موقفاً ضد التعددية داخل مجلس قيادة الثورة. لكن السادات نفسه هو الذى أخذ المبادرة باتجاه الانتقال إلى التعددية بعد حرب أكتوبر 1973, عندما طرح ورقة أكتوبر التى كانت بداية تطور أدى إلى إنشاء ثلاثة منابر داخل التنظيم الواحد (الاتحاد الاشتراكي). وتحولت هذه المنابر بسرعة إلى تنظيمات, ثم إلى أحزاب فى نوفمبر 1976. والأرجح أن هذا التطور فى موقفه نتج عن قراءته ما حدث فى مصر على مدى عقدين، وسعيه إلى معالجة اختلالات وأخطاء، فضلاً عن الثقة التى اكتسبها عندما قاد مصر إلى الانتصار فى حرب 1973. ولذلك ربما يكون تفسير اتجاهه إلى التعددية بأنه كان مجرد مسعى إلى الاقتراب من الغرب اختزالاً مخلاً لتطور كبير من هذا النوع. ومع ذلك، لم يتخلص السادات من شكوكه فى جدوى التعددية. وسرعان ما استيقظت تلك الشكوك عندما حدثت انتفاضة الخبز فى يناير 1977، وازدادت حين مارست بعض الأحزاب معارضة قوية لم يتوقعها، ولم تكن ضمن تصوره للانتقال إلى التعددية. ولذلك كانت المفارقة الأكبر فى هذا السياق أن السادات، الذى نقل مصر من الأحادية إلى التعددية، لم يتحمل التفاعلات المترتبة على وجود أحزاب متعددة، وخشى أن يؤدى تصاعد المعارضة ضد سياسته السلمية تجاه إسرائيل إلى منحها ذريعة لتأخر إكمال انسحابها من سيناء فأصدر قرارات 5 سبتمبر 1981 المشهورة التى لم يمهله القدر لتصحيح ما ترتب عليها، إذ اغتاله إرهابيون فى ذكرى انتصاره، وقبل أن يشهد رفع العلم المصرى على آخر جزء مُحرر فى سيناء. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد