هل نستطيع أن نقول إنه فى الشهر الأخير من عام 2018 أعادت 7 دول عربية اكتشاف البحر الأحمر؟ شخصيا، أعتبر هذا الحدث من أهم أحداث العام، لتأثيراته الجوهرية على كل دول المنطقة، والشرق عموما. فهل أدركوا خطورة ترك هذا الموقع الإستراتيجى الخطير، والمؤثر فى كل أوضاعنا، الاقتصادية، والأمنية، والسياسية؟ أم عرفوا ما يحتويه بحر الأساطير من ثروات، تداعب خيال الدول الكبرى والإقليمية؟ المهم أنهم جاءوا، ولو كانوا متأخرين جدا، مصر، والسعودية، والأردن، السودان، وجيبوتي، والصومال، واليمن. وأعلنوا عن تشكيل كيان تأسيسي، لتأمين حركة الملاحة البحرية، وتعزيز أمن واستقرار المنطقة، ومواجهة التحديات والأطماع، وهى ليست قليلة، وأخيرا تحقيق المصالح السياسية، والاقتصادية، والتنموية. بحرنا الأحمر يثير الشجون، لمركزيته فى حياتنا المصرية، خاصة حياة العرب والشرق عموما، فهو بحر القلزم الذى غرق فيه فرعون موسى عليه السلام... ويحتوى على ثروة العالم من المرجان، أكثر من 250 نوعا، وهو من أغلى البحار بالشُعَب المرجانية الصلبة واللينة، أما أسماكه فهى نادرة، لأنها لا توجد فى مكان آخر، وفيه أكثر من 1200 نوع، أكثر من نصفها لا يوجد فى غيره، وبه أكثر من 400 جزيرة صالحة للاستيطان، تثير خيال الطامعين حول البحار، والباحثين عن السياحة، والجمال، والمناطق العسكرية، والنفوذ الأمني، فهى جزر بركانية معظمها خامل، متنوعة المساحات، حسب المقاسات والطلبات والرغبات، من الصغيرة كيلو متر مربع، إلى الكبيرة التى لا تتجاوز 10 كيلو مترات مربعة. هو بحر غنى بالثروات المتنوعة من المكونات الإحيائية، والحفريات، والمعادن، توقفت كثيرا عند أولى رحلات استكشاف له من قبل قدماء المصريين عام2500 ق.م، ورحلة حتشبسوت 1500 ق.م، وكانتا على طول سواحله البالغة 348و110 كم2 وطوله 2250كم. وبالنسبة لمصر فهو، بوضوح، بحر حيوى لقناة السويس، كما أنه الممر الحيوى لبلادنا وللتجارة الدولية. كما أن البحر الأحمر وخليج عدن ممران مائيان مفتوحان، كما أنهما من مناطق الشد والجذب مع كل الدول الإقليمية المهمة، تركياوإيران تحديدا، بحثا عن التأثير فى صادرات البترول، والتحكم فى دول الخليج عن طريق ممراته البحرية، فالممرات والمضايق البحرية، تشكل أهمية أمنية للدول المعنية بالتجارة عبر خليج عدنوالبحر الأحمر، وتقع قناة السويس أقصى شماله، وتشكل منفذا رئيسيا لحركة التجارة بين آسيا وأوروبا، خاصة للدول المنتجة للنفط كالسعودية، والتى كثيرا ما تعرضت للتهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، وهى بهذا التطور الإستراتيجى تتمكن من نقل تجارتها، وحمايتها عبر مضيق باب المندب، وشمالا المتوسط وقناة السويس التى تنقل الغاز والمخزونات النفطية لمعظم دول الخليج العربى عبر البحر الأحمر. وبهذه التحولات فى البحر الأحمر تضمن مصر، ودول الخليج العربي، أمنها القومى من أى تدخلات خارجية، وتزداد الأهمية الإستراتيجية لقناه السويس، لأنها تشكل جسرا يربط بين شمال البحر الأحمر والبحر المتوسط، كما تشكل منطقة البحر الأحمر وخليج عدن أهمية إستراتيجية، واقتصادية، وأمنية متداخلة، يصعب الفصل بينهما، لكل من مصر والسعودية والسودان وفلسطين (اسرائيل) إلى جانب القوى الإقليمية، مثل تركياوإيران والقوى الدولية البعيدة جغرافيا، مثل الولاياتالمتحدة والصين. وقصص محاولات السيطرة على البحر الأحمر حديثا واضحة فى كل العمليات العسكرية والحروب، وتهديدها الملاحة العالمية معروفة، منذ حرب السويس وحرب 73، ولجوء إيران فى الثمانينيات إلى تلغيم البحر إبان الحرب العراقية الإيرانية التى استمرت ما بين أعوام 1980 و 1988، وانتقل البحر من حرب التدخلات إلى حروب القراصنة بعد سقوط الصومال، وصراعات القرن الإفريقي، وبداية سعى الدول الكبرى للسيطرة على بلاد القرن الإفريقي، وإقامة قواعد عسكرية، وكانت أعينها على البترول، وعلى بحر العرب، أو البحر الأحمر. وتهديد العرب والخليجيين فى هذه المنطقة أصبح واضحا، لأن إيران تتجه إلى إقامة قواعد بحرية فى اليمن، وفى سوريا، وما تجربة الحوثيين، وسعيهم إلى حكم اليمن إلا بداية الأطماع الكبرى فى دول البترول العربي، أما الخطر الإستراتيجى القادم فهو إقامة قواعد على الجزر، وما مثال الجزر الإماراتية إلا مقدمة فى هذا المسار الإيرانى العدوانى الذى لا يتوقف. المطامع فى البحر الأحمر ظاهرة، وتتطلب رؤى جديدة، وخطوات إستراتيجية مختلفة، مثل ظهور هذا الكيان الجديد، ونحن نري، مثل كثيرين، أن ظهور مثل هذا الكيان التأسيسى بمثابة تغيير إستراتيجي، باعتبار أن المصالح العربية واحدة، ولا بد من منافسة القوى الإقليمية فى أدوات السيطرة والتحكم فى المضايق... هذا التكاثر الجديد دائما يستبق الصراعات، والحروب القادمة ستكون حول المياه، وتحديدا حول البحار والسيطرة من خلالها على كل الموارد والتحكم فى العالم. وإذا كان الأتراك يحاولون الالتفاف، باستخدام مخالب القط القطرى الإخوانى فى فلسطين أو السودان، فإن الذى يعمق الرؤية الإستراتيجية يضع حدا لهذه المحاولات الصبيانية, إن هذا التكتل الجديد يرد بكثير من الواقعية على كل الأصوات التى تصورت، أو مازالت تتصور أن الأنظمة العربية هشة، ولا تستطيع الاستمرار إلا بحماية القوى الكبرى ورعايتها، كما أنه يقول إن البلاد العربية المهمة مثل مصر والسعودية لن تسمح بأن تفرض قوة إقليمية، مهما تكن، سيطرتها على البحر الأحمر. وحتى يستكمل هذا الكيان التأسيسى يجب أن يضم ما يقرب من 20 دولة تستفيد منه، وليعلنوا أنه بحر عربي، كما كان فى الماضي. لمزيد من مقالات أسامة سرايا