* توافق على التصدى للإرهاب والهجرة غير المشروعة * توسيع آفاق التنمية والاستثمار والتجارة وتوطين التكنولوجيا اختتم الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس، زيارة ناجحة للعاصمة النمساوية، استغرقت أربعة أيام، أجرى خلالها مباحثات بناءة مع نظيره النمساوى ألكسندر فان دير بيلين، ومستشار النمسا سيباستيان كورتز، ثم شارك فى المنتدى الإفريقى - الأوروبى بحضور 49 من قادة الدول. حملت مصر شواغل قارتها الإفريقية بقوة ووضوح إلى قلب أوروبا وعقلها، دور محورى ممتد، قد يتعرض للمد أو الجزر، لكن لا فكاك منه أو بديل عنه، فلطالما كانت مصر حلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا وآسيا، وذاك بعد راسخ فى كيان شخصيتها الإقليمية، يرتبط بإستراتيجية الوشائج المكانية بين قارات العالم القديم، بعيدا عن الانتهازية أو المضاربة السياسية. ومن خلال متابعتى وقائع الزيارة الرئاسية، يمكننى أن أسرد عدة ملاحظات: أبرزت وقائع المنتدى الإفريقى - الأوروبى أن ترسبات التاريخ والجغرافيا وحسابات الاقتصاد والسياسة تفعل فعلها فى الفضاء الإقليمى والدولي، على المستويات كافة، فالأزمات الهوجاء التى تمور بها دول بإفريقيا والشرق الأوسط، وتتبدى إرهابا وفقرا وبطالة وهجرة غير مشروعة.. إلخ، تنعكس تحديات عاصفة فى جنبات أوروبا وتترك آثارها الجسيمة فى نسيج القارة العجوز، يزيد من وطأتها غياب العدالة عن النظام العالمي، اقتصاديا وسياسيا. وإدراكا لمجمل الظروف، دعا الرئيس السيسى إلى إعادة ترتيب الأولويات، من خلال خطوط محددة تكفل إطفاء الأزمات فى إفريقيا أو تحد منها، حتى لا تنفجر وتتناثر شظاياها فى جنبات أوروبا. أكدت كلمات الرئيس ضرورة التعاون المتعدد الأطراف، فالساحة تتسع لكل الأطراف، ومن ثم شدد السيسي، الذى سيتولى رئاسة الاتحاد الإفريقى مطلع 2019 ، على أن التنمية المستديمة هى أمضى الأسلحة فى مواجهة التحديات، داعيا أوروبا إلى بذل كل جهد لمساندة المساعى الإفريقية فى هذا الشأن، إيمانا بأن إفريقيا هى قارة المستقبل. وأشار إلى المسارات التى تعين على إنجاز التنمية وتحقيق تطلعات الشعوب الإفريقية، ومن بينها السعى للقضاء على الفقر، وتوفير المزيد من فرص العمل، وتطوير البنية التحتية، وبناء المنظومة الصناعية وتطوير الزراعة، وتوطين التكنولوجيا والتحول الرقمى وثقافة الابتكار، وجذب الاستثمارات، وتعزيز حرية التجارة، لضمان نصيب عادل للقارة السمراء فى الاقتصاد العالمي، بعد أن عانت ظلما فادحا مازال يعرقل شعوبها عن بلوغ غاياتها فى التنمية والتقدم. وأضاف أن مصر قطعت شوطا بعيدا فى هذا النهج. كما عكست لقاءات الرئيس مع بعض قادة الدول، الجهود المكثفة التى تبذلها القاهرة لإطفاء الحرائق فى الإقليم، لعل الأزمة الليبية مثال ساطع فى هذا الاتجاه. وقد حظى التعاون المصرى - الأوروبي، وبالأحرى المصرى - النمساوى بمكانة بارزة ضمن أولويات الزيارة، وتركزت المباحثات مع أركان القيادة النمساوية على تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادى، والتنسيق المشترك إزاء القضايا الإقليمية والدولية، خاصة الهجرة غير المشروعة، ومكافحة الإرهاب. والتقى الرئيس ثلة من رؤساء كبريات الشركات النمساوية، لبحث زيادة الاستثمارات فى مصر، وتنشيط التعاون الاقتصادى. واختتم السيسى زيارته بلفتة إنسانية رائعة، بلقاء أسر ثلاثة من أبناء الجالية المصرية، كانوا قد لقوا حتفهم فى حادث سيارة إبان زيارة الرئيس ألمانيا عام 2015. وأحسب أن زيارة الرئيس للنمسا جاءت وسط تفاعلات دولية بين القوى الكبرى، تنذر بأننا أمام نظام دولى يتوارى وآخر يتشكل، ولأن مصر هى "أصل شجرة الحضارة الإنسانية" فإنها مازالت قادرة على العطاء والإلهام، يدا بيد مع الآخرين، لحل المشكلات من المنبع، دون تسويف أو ابتزاز، والسعى لمصلحة شعوب إفريقيا والشرق الأوسط، فى المجال الدولى سياسيا واقتصاديا وحضاريا.