قبل 5 سنوات لم تكن حياة أحمد بحاجة لمن يسندها، لكن كانت المأساة تُولد وتقترب. سيقانه التى كان يعدو بها فى المسابقات الرياضية لم تعد تقوى على حمله. أصابت ركبتيه خشونة عنيدة تطورت إلى رباط صليبى ولم يكن هناك بديل عن مفصل صناعى لكل ركبة، وإن اكتفى بواحد حين وجد أنه لا يعمل بكفاءة. أحمد لا يمكنه أن يطوى رجله، لا يقدر على المشى ولا الوقوف طويلاً. وهو أب..أى لا بد أن يعود آخر النهار بخبز إلى البيت. إن أكثر ما يؤلمه هو أن تحتاج أمه المسنة إلى شىء لا يمكنه تدبيره. كم كانت فرحته عارمة عندما استطاعت جنيهاته الزهيدة أن تشترى لها مؤخرًا حلوى المولد وبقى معه ما يكفى قوت عياله ..هاجر وشريف. وقفته المائلة الرخوة على العكاز، بالتوفيقية، وكيس الألعاب فى يده امتحان يومى لسنواته الخمسين، غير أن ابتسامته لا تشعرك أبدأ أنك بصدد رجل يتآكل. مع ذلك قال لى، بيقين: « أنا متأكد إنها هتفرج..أمى داعية لى وربنا بيبعت لى رسايل». لكن الغصة التى يتنقل بها أحمد أن بطاقته محتجزة حتى يسدد ألفى جنيه اقترضها فى تجهيز ابنته وعجز عن الوفاء بها، كأن ما ينقصه هو همّ الدّيْن، رغم بساطته. أحمد، الحاصل على الإعدادية، لا يحزن لأنه فقد وظيفته، ك «مونتير» فى إحدى المطابع، بل لأن الناس يظنون أنه متسول وحين يهمون بوضع صدقة فى يده، سرعان ما يقبضها ويشهر لعب الأطفال، بضاعته، كعلامة انتصار على ذل السؤال. كم حاولت أن أتفادى نظراته التى تحوم حولى وهو يخبرنى كيف كان يحلق ذقن والده بينما الأخير يشفق عليه من الوقوف وهو بدوره يتمنى أن يحذف جلطة المخ التى تركت آثارها على الأب قبل وفاته. كان أحمد يحكى بعينين لامعتين تحجّر فيهما الخوف من أن يعيش وقد تمادى جسده فى العصيان.