حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة العمال المركزية    «التنظيم والإدارة»: مسابقات للتعيين والتعاقد ب5 جهات خلال الفترة المقبلة    الإعلان عن قبول دفعة جديدة بالأكاديمية العسكرية المصرية    30 يونيو.. اقتصادياً    «البحرين المركزي»: تغطية أحد إصدارات أذون الخزانة الحكومية ب 70 مليون دينار    ارتفاع أسعار الذهب اليوم الإثنين بالمعاملات المسائية    الجيش الروسي يحرر أراضي جمهورية لوجانسك بالكامل    الاتحاد الأوروبي يتجه شرقاً.. تحالف تجاري جديد لمواجهة تهديدات ترامب    فيديوجراف| استخبارات أوروبية تصدم ترامب حول تأثير الضربة الأمريكية على إيران    رياضة ½ الليل| الأهلي يتمسك بلاعبيه.. الزمالك يفرط.. "بديل" فاركو للأبيض.. فيريرا جديد.. واجتماع الخطيب العاصف    أشرف نصار يحفز فريق الكرة النسائية بالبنك الأهلي: العمل الجاد والمنافسة على الألقاب    مباشر كأس العالم للأندية - إنتر (0)-(1) فلومينينسي.. فرصة لا تهدر    سيدات بتروجت يحققن لقب الدوري الممتاز لتنس الطاولة    كرة سلة - بمشاركة منتخب مصر.. مواعيد مباريات البطولة العربية للسيدات    أديب: رجل أعمال يتبرع ب38 مليون جنيه لأُسر شهداء حادث الطريق الإقليمي    الأولى على إعدادية المنوفية: كنت بذاكر أول بأول    تجارة المخدرات تقود سائق وعاطلين للسجن المشدد 6 سنوات بكرداسة    التضامن والعمل تنهيان إجراءات صرف وتسليم تعويضات ضحايا ومصابي حادث المنوفية    زواج صادم وحمل مفاجئ.. تطورات مثيرة في الحلقة 2 من «مملكة الحرير»    كراهية القَص والحكايات غير المحكية فى ألف ليلة وليلة    وزير السياحة يشهد مناقشات مع الطلاب وأساتذة الجامعات حول القاهرة التاريخية    مراسلة "القاهرة الإخبارية": زيارة ديرمر إلى واشنطن تهدف لمناقشة صفقة التبادل    رحمة محسن تتألق بأولى فقرات احتفالية فى حب مصر احتفالا بثورة 30 يونيو    دينا أبو الخير توضح حكم صلة الرحم في حالات الأذى والحسد    بالمنطق    محافظ أسوان: تحقيق الجاهزية الكاملة لإنجاح منظومة التأمين الصحي الشامل    إصابة 5 أشخاص إثر تسرب غاز داخل مصنع ثلج في الشرقية    «يهدف لحل الإشكاليات».. وزير الإسكان يعلق على مشروع قانون الإيجار القديم    وزارة الخارجية تطلق خطة الاستجابة للاجئين ودعم القدرة على الصمود في مصر لعام 2025    الاتحاد السكندري يعلن تعاقده مع الحارس محمود جنش    توتر دبلوماسي بين موسكو وباكو بعد مداهمة مكاتب وكالة سبوتنيك الروسية في أذربيجان    فنانين خالدين في وجدان يحيى الفخراني.. تعرف عليهم    خلاف ميراث ينتهي بجريمة قتل مأساوية في زراعات الموز بقنا    دعاء الصباح مكتوب وبالصور.. ابدأ يومك بالبركة والسكينة    بعد شهادات الجنود.. قادة بالجيش الإسرائيلي يقرون بقتل المجوعين في غزة    رايات حمراء وصفراء وخضراء.. إقبال ضعيف من المصطافين على شواطئ الإسكندرية    قبول دفعة جديدة بالأكاديمية العسكرية المصرية والكليات العسكرية للطلبة من حملة الثانوية العامة والأزهرية وخريجي الجامعات.. الشروط ومواعيد التقديم    «ترابي وناري ومائي».. تعرف على لغة الحب لكل برج حسب نوعه    رئيس الجالية المصرية في النرويج: ثورة 30 يونيو بداية عهد جديد من العمل الجاد والتنمية الشاملة    متى يتم المسح على الخفين والجوارب في الوضوء؟.. عضو مركز الأزهر توضح    سيامة دياكون جديد بالكنيسة المرقسية بالأزبكية    بقيمة 103.5 مليون يورو.. مجلس النواب يوافق على اتفاقية تعاون مع ألمانيا    مدبولي: التعاون الإنمائي الدولي بات أمرًا ضروريًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030    ما هو حق الطريق؟.. أسامة الجندي يجيب    البلجيكى يانيك فيريرا الأقرب لقيادة الزمالك.. ومدرب آخر يعطل التوقيع    على إيقاع الطبيعة الساحرة.. هكذا يمارس السائحون الرياضة في جنوب سيناء    وجه الشكر للأطقم الطبية.. وزير الصحة: 300 مستشفى لاستقبال مصابي غزة للعلاج في مصر    انطلاق القوافل الطبية العلاجية بالجيزة غدا- تفاصيل    ماذا يحدث للجسم عند تناول ماء الكمون مع الملح الاسود؟    كشف ملابسات أحد الأشخاص وزوجته بالتعدى على نجلهما بالضرب في الشرقية    محافظ القاهرة يجري مقابلات شخصية للمتقدمين لعدد من الوظائف    أسما إبراهيم تدافع عن شيرين عبدالوهاب: «كلنا بنغلط وبنمر بظروف لكن الأهم إننا نرجع أقوى»    الرقابة المالية توافق على تأسيس "صندوق استثمار عقاري ومعادن"    دورتموند يتحدى مفاجآت مونتيري بدور ال16 بمونديال الأندية    السيسي: مصر تبذل أقصى جهودها لدعم الأمن والاستقرار في ليبيا    عماد الدين حسين: أداء الحكومة في التعامل مع حادث الطريق الإقليمي يأخذ 4.5 من 10    ما فضل صيام يوم عاشوراء؟.. أجرٌ عظيم وتكفيرٌ للسنة الماضية    ترامب يتهم جيروم باول بإبقاء معدلات الفائدة مرتفعة بصورة مصطنعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأطفال يحاكمون من أنجبوهم!

أكتب لكم من باريس التى تستعد لتستقبل عاما ثقافيا يتسم بالخصب والتنوع، ويتسع لتمثيل الثقافات الأخرى خاصة ثقافات أوروبا فى الماضى والحاضر، ففيه شكسبير، وسرفانتس، وفيردي. وفيه أفلام من أمريكا، وفيلم لبنانى سارعت لمشاهدته حين قرأت أن البطولة فيه لصبى فى الثانية عشرة من عمره يلعب فى الفيلم ما يعيشه فى الحياة، ويرفع دعوى ضد أهله تنظرها المحكمة بتهمة أنهم أنجبوه!
عمل مدهش هذا الفيلم الذى أحدثكم عنه! لأنه نقيض ما هو سائد فى السينما العربية، بل هو، حسب ما رأيت، الواقع المسكوت عنه فى الثقافة العربية الحديثة كلها.
الثقافة العربية الحديثة لا تقدم من الواقع إلا ما تراه مسموحا به، وهو فى غالب الأحيان العالم الذى يعيش فيه الكتاب والشعراء والفنانون العرب، عالم الطبقة الوسطي، فإن تجاوزته إلى غيره فتحدثت عن الفقراء أو عن الأغنياء تحدثت عنهم من وجهة نظر المثقف الذى ينتمى للطبقة الوسطى التى تعتبر نفسها حارسة للقديم ومصدرا للجديد، لكن دائما من موقفها الوسطى الذى تسيطر عليه الجهات الرسمية والدينية. ونحن نسمع ونقرأ كل يوم هذه العبارة باعتبارها تلخيصا وتعبيرا عن الحكمة والتعقل. لكن هذا الفيلم لا يقدم من الواقع إلا ما هو مستبعد منه وغير مسموح به إلى الحد الذى يظن الكثيرون أنه غير موجود، مع أنه يحتل فى الواقع رقعة واسعة، لكنها رقعة منفية ومطرودة، وهى إذن غير موجودة، لأنها غير شرعية، ولهذا يلجأ لها الفقراء والمهمشون من أهل البلاد، كما يلجأ لها الأجانب الذين يدخلون لبنان متسللين لا يحملون أوراقا رسمية تسمح لهم بالإقامة الشرعية. وفى هذه الرقعة من المجتمع اللبنانى تدور أحداث فيلم «كفر ناحوم»
كل شىء فى هذا الفيلم يجسد هذا العالم المنبوذ. الأحداث تدور فى العشوائيات المحيطة بكفر ناحوم التى يسكنها الفقراء بكل مستوياتهم. المعدمون الذين لا يملكون أى شىء، والفقراء الذين لا يملكون إلا القليل. والضعفاء الذين يجدون فى أنفسهم بعض القوة فيعذبون الأكثر ضعفا. الآباء الذين لا عمل لهم فى الحياة إلا أن ينجبوا أطفالا يكتفون بوضعهم أجنة فى بطون أمهاتهم ويتركونهم بعد ذلك لمستقبل محتوم يعانون فيه البؤس والحرمان، ويحشرون فى غرف مظلمة ينامون بعضهم فوق بعض على أرضها الرطبة القاحلة، ويساقون فى الصباح ليشتغلوا خدما وحمالين أو ليظلوا عاطلين لا عمل ولا مدرسة ولا تربية ولا مستقبل إلا هذا الواقع الذى يتكرر كل يوم. والتجار الذين يستغلون حاجة هؤلاء ليملوا عليهم شروطهم ويشتروا بناتهم وهن فى الحادية عشرة من أعمارهن بعقود زواج مزورة. والمهربون الذين يستخدمون الأطفال فى تهريب المواد المخدرة.
عالم من الفوضى والعنف والقبح والفظاظة والسوقية ضحاياه كثيرون، لكن ما يعانيه الأطفال فيه أكثر وأشد وأعنف مما يعانيه غيرهم، وهذا بالضبط ما يكشف لنا عنه هذا الفيلم. ومع أنه تصوير للواقع فهو يصور هذا الواقع بجرأة ويقدمه على نحو مثير لا يتاح إلا لفنان قدير، وهو شرط تحقق فى مخرجة الفيلم نادين لبكى التى تخصصت فى تقديم ما لم تقدمه السينما العربية من قبل، كما فعلت فى فيلمها الأول الذى صورت فيه حياة النساء من خلال صالون لتصفيف الشعر ينتهزن فيه فرصة اجتماعهن لتتحدث كل منهن عن حياتها.
بعد ذلك قدمت نادين لبكى فيلما ثانيا. و«كفر ناحوم» هو فيلمها الثالث الذى تواصل فيه عرضها لحياة المضطهدين وعالمهم، والذى يعرض الآن فى باريس بعد أن حصل فى مهرجان كان على جائزة لجنة التحكيم، وبعد أن اختير ليمثل لبنان فى الأوسكار القادم.
والفيلم عبارة عن محاكمة يقف فيها الصبى زين متهما بمحاولة قتل زوج أخته سحر، وهو بقال متواضع استغل القليل الذى يملكه لشراء جسد هذه الطفلة التى لم تكن تجاوزت الحادية عشرة من عمرها، وكانت أقرب إخوة زين إليه ولهذا لم يطق هذا الوضع وترك البيت ليتشرد فى كفر ناحوم يسير على غير هدى فى الشوارع التى يخترقها الأطفال الموسرون بملابسهم النظيفة وسياراتهم الخاصة. ويصادف فى تشرده فتاة إرتيرية كانت فى وضع يشبه وضع أخته.
مهاجرة دون أوراق. عملت خادمة فى أسرة لبنانية تملك بيتا وسيارة وتستأجر سائقا استطاع أن يخدع الخادمة الإرتيرية فتحمل وتطرد من عملها وتتشرد هى الأخرى وتضع طفلها يونس الذى سيأتنس به زين ويرعاه كأنه شقيقه الأصغر. لكن الشرطة تقبض على الأم الإرتيرية راحيل التى لم تكن تحمل ما يؤهلها للإقامة فى لبنان،.. ويحاول زين مع شدة عوزه أن يحل محلها فى رعاية طفلها. ثم يصل إلى علمه أن أخته ماتت وهى تضع حملها الأول فيسرع إلى بيت أهله لينتزع سكينا ويركض به إلى بيت البقال زوج أخته ويطعنه به طعنة لم تكن قاتلة فتقبض عليه الشرطة ويقدم للمحاكمة التى بدأ بها الفيلم وانتقل من خلالها إلى ما سبقها. بطريقة الفلاش باك ليقدم لنا الأحداث التى ساقت زين إلى المحاكمة التى تحول فيها من متهم إلى ضحية وصاحب قضية يمثل هؤلاء الأطفال التعساء ويرفع باسمهم دعواه ضد أهاليهم الذين أنجبوهم لما صاروا إليه وكأنه يترجم العبارة السائرة «هذا جناه أبى علىَّ وما جنيت على أحد!»
وأظن أن هذا المعنى وهو تمثيل الطفل زين لأمثاله من الأطفال الفقراء هو الذى قصدته صحيفة «النهار» اللبنانية التى قالت عن الفيلم إن «كفر ناحوم» مجاز أو استعارة فنية تعبر عن عنف الواقع. أما صحيفة «لوموند» فقد عبرت عن الصدق الذى يحسه المشاهد وعن الإقناع الذى يتحول به الفيلم من عمل فنى يصور الواقع إلى واقع أو تسجيل للواقع. وترى «لوموند» أن «كفر ناحوم» يذكرنا برواية فيكتور هيجو «البؤساء»، وأن ما فعله زين مع ابن الفتاة الآرتيرية يذكرنا بما فعله جفروش فى «البؤساء» مع أطفال لا يقل عنهم فقرا. وأنا أقول إن المجاز الذى تحدثت عنه «النهار» يجعل الفيلم تعبيرا عن البؤساء فى العالم كله وليس فى «كفر ناحوم» وحدها.
تحية لمن قدموا لنا هذا الفيلم المدهش، وأولهم نادين لبكي!
لمزيد من مقالات ◀ بقلم أحمد عبدالمعطى حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.