يواجه الائتلاف الحاكم فى تونس بقيادة رئيس الوزراء يوسف الشاهد وحركة النهضة الإخوانية تحديا خطيرا بعد اندلاع موجة احتجاجات ضد سياسة الحكومة الائتلافية الوليدة، لتتداخل الأزمة السياسية مع الأزمة الاقتصادية، وجاء نجاح الإضراب العام الذى دعا إليه الاتحاد العام للشغل، وشارك فيه نحو 650 ألف موظف حكومى ليدق جرس إنذار من استمرار الحكومة الجديدة فى تنفيذ سياسة التقشف ورفضها رفع الأجور، وفشل المفاوضات بين الحكومة الائتلافية واتحاد الشغل للتوصل إلى حل، لتخرج مسيرات موظفى الدولة من الدوائر الحكومية إلى مبنى مجلس النواب لتعلن رفضها لسياسات الحكومة، تحرك الشارع التونسى بقيادة اتحاد الشغل والجبهة الشعبية أوقفت إقرار الموازنة الجديدة للحكومة، تحسبا لتصعيد موجة الاحتجاجات على السياسة الاقتصادية. كان رئيس الوزراء يوسف الشاهد قد أصر على تشكيل حكومة جديدة دون الحصول على موافقة مسبقة من الرئيس السبسي، ويسعى الشاهد إلى الترشيح لرئاسة تونس فى الانتخابات الرئاسية العام المقبل، ولهذا سعى إلى شق نواب الحزب الحاكم والتحالف مع حركة النهضة الإخوانية لتشكيل الحكومة الجديدة، لينقسم الحزب الحاكم بين مؤيدين للرئيس السبسى ومؤيدين لرئيس الوزراء، لكن اعتماد الشاهد على تأييد نواب حركة النهضة مكنه من الحصول على ثقة مجلس النواب فى حكومته التى ضمت وزيرا يهوديا لأول مرة منذ 60 عاما، وهو ما أثار جدلا واسعا، واتهمته الجبهة الشعبية اليسارية بأن الوزير اليهودى من دعاة التطبيع مع إسرائيل، وأنها لا تعترض عليه بسبب ديانته، وإنما بسبب سياساته. الأزمة الاقتصادية والسياسية فى تونس مرشحة للتصعيد بعد أن أعلن الاتحاد العام للشغل أنه سيوسع من نطاق الإضرابات إذا ما استمر الائتلاف الحاكم فى سياساته المجحفة بحق الطبقات الشعبية، ونفى أن يكون سبب الأزمة الاقتصادية هو العدد الكبير من العمالة فى القطاع الحكومي، وقال إنه أقل من المطلوب، وأن الائتلاف الحاكم يسعى لإخفاء فشله بأعباء العمالة، بينما يجرى هدر الموارد بالفساد المستشرى والتهرب من الضرائب، ويرتهن بأوامر صندوق النقد الدولى والمؤسسات الأوروبية. حركة النهضة الإخوانية حاولت كالعادة إمساك العصا من المنتصف، وقالت إنها تتفهم المطالب الشعبية، لكنها أيدت سياسات الحكومة، وهو ما رآه الاتحاد العام للشغل والجبهة الشعبية مناورة وخداعا من حركة النهضة الإخوانية، المتهمة بأنها جزء رئيسى من الأزمة. من أبرز أسباب الأزمة الاقتصادية التى تتعرض لها تونس تراجع عائدات التونسيين العاملين فى ليبيا بعد سقوط أجهزة الدولة فى ليبيا، إلى جانب تراجع عائدات السياحة بسبب العمليات الإرهابية التى تعرضت لها، سواء المنطلقة من الحدود الليبية أو من العائدين من سوريا، وكانت تونس من أكبر مصدرى الإرهابيين إلى سوريا بمباركة حزب النهضة الإخوانى الذى تسلم السلطة فى يناير 2011، لكن الحركة تراجعت عن سيطرتها على الحكومة مع ارتفاع وتيرة الغضب الشعبى ضد سياسات جماعة الإخوان، وحاولت أن تتبرأ من علاقتها بالتنظيم العالمى للجماعة، وأن تعلن الفصل بين العمل الدعوى والسياسى لامتصاص الغضب الشعبي، لكنها عادت لتتطلع إلى الحكم مجددا فى ظل التصدع فى الحزب الحاكم والفشل الاقتصادي. الأزمة السياسية والاقتصادية مرشحة للتصعيد، فلا أفق أمام تحسن الأوضاع الاقتصادية مع تمسك حكومة الشاهد بتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولى، بينما التنظيمات النقابية تنظم صفوفها استعدادا لتوسيع نطاق احتجاجاتها، التى تطالب بسياسة جديدة لا ترتبط بإملاءات صندوق النقد الدولى، وتقوم على الاستثمار فى البنية التحتية والمشروعات الإنتاجية فى الصناعة والزراعة، لتصبح تونس أمام استقطاب سياسى جديد على أبواب عام انتخابات الرئاسة، ومع انحياز الرئيس قايد السبسى إلى مطالب اتحاد الشغل، نكاية فى حكومة يوسف الشاهد المتمردة على الرئيس والمتحالفة مع الإخوان، يراهن يوسف الشاهد على تلقى مساعدات من الاتحاد الأوروبى والمؤسسات المالية الدولية تنعش الاقتصاد التونسى المتراجع، وتمكنه من استعادة السيطرة على الشارع التونسى الغاضب قبل أن تستفحل الأزمة وتهدد طموحاته فى الوصول إلى مقعد الرئاسة، كما إنها تحمل فى طياتها انتكاسة جديدة لحركة النهضة الإخوانية، والتى ظنت أنها تمكنت من تفادى مصير مماثل لحركة الإخوان فى مصر، لكنها وجدت نفسها من جديد فى مواجهة الجماهير الغاضبة. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد