بوفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، تمَّ الوحي، وخُتمت النبوة؛ فكانت وفاته أحد أهم الأحداث في حياته، وحياة المسلمين. روى الدارمي والطبراني، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا أُصيب أحدكم بمصيبة فليذكرْ مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب". (صححه الألباني في "صحيح الجامع الصغير). وعلَّق ابن عبد البر: "صدق (رسول الله) لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يُصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة: انقطع الوحي، وماتت (خُتمت) النبوة". في نزعه هذا، عانى الرسول، صلى الله عليه وسلم، معاناة شديدة من سكرات الموت. روى البخاريُ عن عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قالت: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فِيهَا مَاءٌ (إِناءٌ جِلديٌ للشرب)، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ"، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى"، حَتَّى قُبِضَ، وَمَالَتْ يَدُهُ". وروى أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، رضي الله عنه، أنه دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مَوْعُوكٌ (مريض)، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فَوْقَ الْقَطِيفَةِ، فَقَالَ: "مَا أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ"، فَقَالَ: "إِنَّا كَذَلِكَ (الأنبياء) يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ، وَيُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ". (صححه الألباني في "صحيح الترغيب"). والأمر هكذا، أجمع العلماء على أن ما أصابَ النبيَ، من الحُمَّى الشديدة، وسكرات الموت، ومن قَبلُ: أذى الأعداء، وجهل الأقارب، وغير ذلك؛ إنما هو من البلاء الذي أمره الله، تعالى، بالصبر عليه، فقال: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ". (الأحقاف: 35)؛ التماسًا للأجر: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ". (الزمر:10). أما آخر ما تكلم به، فكشفت عنه عَائِشَةَ، رضي الله عنها، في ما رواه البخاري، قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرَ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى" قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". بل كانت تلك الكلمة من آخر دعائه قبل وفاته، صلى الله عليه وسلم، إذ قالت عَائِشَة: "سَمِعْتُ النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم، وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَيَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى" (رواه البخاري). والمقصود ب"الرفيق الأعلى" ما ذكرته الآية: "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا".(النساء:69). وقد أجاز العلماء لكل مسلم الدعاء بهذا الدعاء، على أن يجتهد في العمل الصالح؛ وطاعة الله ورسوله؛ حتى يُوفَق للالتحاق بالرفيق الأعلى، عند قبضه، ويا له من "نعمة عظيمة". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد