عشرات الصور تنتشر فى الشارع المصرى باسم الحجاب.. فهذه ترتدى غطاء ساترا للرأس فقط، وليس مهما إحكام منطقة الرقبة والعنق، وأخرى ترتدى لباسا طويلا ساترا جميع أجزاء الجسم، لكنه ضيق ومجسم، وأخرى ترتديه فى صورة قطعتين، ومنهن من ترتدى بنطالا ضيقا ملتصقا بالجسم، وأخرى لا تكتفى بكونه ملتصقا بالجسم، فتراه مقطعة بعض أجزائه من على الركبة، أو أعلى أو أدنى قليلا.. ناهيك عن لون اللباس أو سمكه، فما بين الشفاف، والمثير أو ما يشبه فى لونه لون الجسد، وفى النهاية: «الحمد لله.. بناتنا كلهن محجبات»!.
حتى المنتقبات لم يسلمن من هذه التقاليع والموضات، فقد تجد منتقبة ترتدى جونلة أو جيبة ضيقة أو تكون منتقبة الوجه فقط، وتكتفى فى غطاء ذراعيها ب »بادي«، يشبه لون الجسم إلى حد كبير، وإن غاب عن زيها ما يثير ويلفت الانتباه أثارته بشيء من الزينة اللافتة فى عينيها، وكأن المرأة تأبى فى جميع أحوالها إلا أن تلفت الانتباه، ولا عزاء للنقاب أو الحجاب! عفوا .. عن المحجبات فقط نتحدث، وليس عن المتبرجات. فكل الصور السابقة لا تنكر وجوب الحجاب، لكن المشكلة تكمن فى كيف يكون الحجاب.. وهل ما نراه اليوم من أشباه تلك النماذج يحقق المقصد الشرعى للحجاب الذى أمر الله به المرأة صونا وسترا لها من أعين الناظرين؟! تلك النماذج السابقة للحجاب وصفتها الدكتورة نيفين مختار، الداعية بوزارة الأوقاف، بأنها الفتنة بعينها، لافتة إلى أن مثل هذا اللباس الذى ترتديه الفتيات الآن ليس من الحجاب الذى أمر الله به فى شيء. وأشارت إلى أن هذه الصور الدخيلة على حجابنا ليست مصادفة، ذلك أن أعداء الإسلام يعلمون جيدا أن المرأة هى عماد الأسرة وحصنها الحصين لأبنائها، وإذا ما التزمت بدينها وتسلحت به فستخرِج أجيالا يعرفون معنى القيم والالتزام ومن ثم يجدون فى عملهم وينهضون بوطنهم، من هنا فكر أعداؤنا فى طرق يتوهمون منها القضاء على هذا الدين وأهله، فكان الهجوم على الحجاب الذى هو منبر العفة والحياء للمرأة، فقد أذهلهم تمسك المسلمات بالحجاب فأخذوا يحاولون باستماتة التصدى له، ولأنهم لا يستطيعون أن يصرفونا مباشرة عن الحجاب بالكلية، لأنه يرتبط بعاداتنا وتقاليدنا، فضلا عن ارتباطه بتديننا، بدأوا يتفننون فى حيل تصرفنا عنه رويدا رويدا، فكان ما نراه من موضات وأشكال تظهر مفاتن المرأة، وأخرى تحمل إيحاءات أو صورا مثيرة. وقد روج هؤلاء المغرضون لبضاعتهم عن طريق الأزياء التى تنتشر فى المجلات الغربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعى والتى بها يفتتن البنات والنساء ويرغبن فى اقتنائها حتى يواكبن العصر، ويصبحن على مستوى من التحضر الاجتماعى بحد زعمهن!. ويتم تحديث موديلات جديدة، حتى تكون المرأة مشغولة دائما بالموضة، ويتم صرفها تدريجيا عن ضوابط الحجاب الشرعى الذى من شروطه ألا يصف ولا يكشف ولا يشف سدا لذريعة الفساد، وللأسف كثير من الفتيات والنساء الآن وقعن فى هذا الشرك وانجذبن للباس الضيق والمثير، لجذب الأنظار، ومع ذلك هن محجبات وقد يكن غير ذلك، وقد نبأ النبى صلى الله عليه وسلم، بوقوع أمته فى ذلك فقال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا) أخرجه مسلم.. غير موافق للشريعة الأمر نفسه تؤكده الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: محذرة من الانسياق وراء ما يسمى الحجاب العصرى الذى تنوعت صوره وأشكاله وهو فى الحقيقة لا يوافق الشرع، فقد لا تحرص المرأة على تغطية رأسها فيظهر شيء من شعرها، أو جسدها، أو ترتدى ثيابا شفافة، فيكشف ما تحتها، أو ثيابا ضيقة تصف ما تحتها، ناهيك عن بعض الصور الغريبة التى اعتدنا رؤيتها بأن تطبع على الزى رسومات أو كلمات أو إيحاءات مثيرة، وهذه كلها صور مخالفة للحجاب الشرعى الذى يجب أن تلتزم به المرأة. أزياء الفتنة! ووصفت الداعية نعمات الكومي، ما يسمى (أزياء المحجبات العصرية)، ب«أزياء الفتنة« لأنها لا تخلو من الألوان المزركشة التى تجذب أنظار الرجال، وهذا نوع من أنواع التبرج، ودرجة منه، ولا تعد حجابا، وقد تجد محجبة يخلو زيها من الزينة والفتنة لكنها تتعطر بالبرفانات التى تجذب الرجال فماذا يفيد حجابها؟. كما أن النقاب أيضا لم يسلم من ذلك. ويقول الدكتور عبدالوارث عثمان، أستاذ الفقه المقارن، بجامعة الأزهر، إن عفة المرأة وصونها وحمايتها ضرورة من ضرورات رسالة الإسلام الخالدة لتقوم بدورها فى بناء المجتمع على النحو المطلوب منها شرعا، وقد كانت أمهات المؤمنين زوجات النبى يتحجبن فذاك أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، والأمر فى الآية يشمل زوجات النبى وبناته ونساء المؤمنين إلى قيام الساعة. ونعى عبد الوارث على بعض المسلمات تقصيرهن فى ارتداء الحجاب، كما نعى على من يرفضون الحجاب ويتهكمون على المحتشمات، ولا ينظرون حولهم ليروا المتبرجات بالزينة والكاسيات العاريات!! وأضاف أن الدعوة إلى العفة والطهارة والاحتشام هى ما يجب أن يركز عليه الداعية فى إرشاده ونصحه خاصة فى ظل المطالبة بقانون للمتحرشين من الرجال بالنساء، فلا شك أن تبرج المرأة بزينتها المبالغ فيها وثيابها التى تصف ما تحتها أو تجسم المغريات فى جسدها سبب من الأسباب التى تدفع الشباب للتحرش بالنساء، لاسيما فى ظل غلاء المهور وصعوبة تكوين الشاب لمنزل الزوجية.. فإذا تفهمنا ذلك فعلينا أن نتيقن أن الإسلام بفرضه للحجاب إنما أراد أن يعالج مثل هذه الظواهر. شروط الحجاب وأوضح د. عثمان، أن للحجاب الشرعى شروطا تتمثل في: أن يكون اللباس ساترا لجميع البدن، (عدا الوجه والكفين)، وأن يكون ثخينا لا يشفّ عما تحته، وأن يكون فضفاضا غير ضيّق، وألا يكون مزينا يستدعى أنظار الرجال، وألا يكون مطيّبا، وألا يكون لباس شهرة، وألا يُشبه لباس- الرجال، وألا يشبه لباس الكافرات، وألا يكون فيه تصاليب ولا تصاوير لذوات الأرواح. مؤكدا أن كل حجاب للمرأة لا تنطبق عليه هذه الشروط، أو الأوصاف لا يعد حجابا.. فمثلا تجد بعض النساء يضعن على رؤوسهن إيشاربا أو ما شبه ثم تظهر شيئا من شعرها أو تغطى الرأس وتلبس ثيابا شفافة يرى ما تحتها أو تلبس البنطال الضيق مع لبسها لساتر على الرأس.. هذا كله درجة من درجات التبرج وليس مرتبة من مراتب الحجاب الشرعى السليم، وهى ظاهرة سببها أن بعض النساء يردن الموازنة بين العادات والتقاليد وبين الحداثة المزعومة المبنية على الفكر المستورد من بلاد الغرب وهى آفة أصبنا بها فى كل مناحى الحياة.. وعلاج هذه الظاهرة يكمن فى عودة النساء إلى صحيح دينهن وأخذ النصح من العلماء الثقات وأهل العلم المشهود لهم بصدق القول وثبات المبدأ. ويذكرنا الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين بأسيوط سابقا بالرأى الشرعى للحجاب كما جاء فى فتوى دار الإفتاء المصرية، وهو (إن حجاب المرأة المسلمة فرض على كل من بلغت سن التكليف وهى السن التى ترى فيها الأنثى الحيض، وهذا الحكم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة). وطالب مختار مرزوق النساء والفتيات بالتمسك بالضوابط الشرعية للحجاب، وأى تكليف شرعي، وعدم التهاون فى هذا الأمر، كما ناشد الأمهات أن يربين بناتهن على الحجاب مع اقترابهن من سن البلوغ دون إفراط أو تفريط، وأن تسأل كل فتاة أو سيدة محجبة نفسها أين هى من أمر الله فى الحجاب، ولا حرج فى أن يعود المسلم لأهل الذكر فيما أشكل عليه، فالحجاب عبادة وطاعة لله ، والأصل فى الطاعة أن نطيع الله بمراد الله وليس بمراد النفس أو اتباع الهوي.