رغم انتهاء الدورة الفضية لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى قبل أيام.. إلا أن إدارة المهرجان برئاسة د. سامح مهران والمخرج عصام السيد المنسق العام، لم تكتف بما بذلته من جهدٍ مضنِ خلال الشهور الماضية للخروج بهذه الدورة فى الصورة التى تليق بحدث مسرحى مهم يؤكد عودته من جديد إلى خريطة المهرجانات المسرحية العالمية.. بل بدأت على الفور فى فتح آفاق التواصل الدائم مع المسرحيين العرب بسلسلة من الخطوات التى ترسخ نجاح هذه الدورة وحلم مؤسسيه الأوائل فى أن يكون بوصلة مسرحية حقيقية لكل المدارس العالمية. ........................ أولى هذه الخطوات تمثلت فى الحصول على موافقة د. إيناس عبدالدايم فى إنشاء مركز تدريب دولى دائم يخدم المنطقة العربية بالكامل ويسمح لكل المسرحيين المصريين والعرب بالاستفادة بما ستقيمه ادارة المهرجان من ورش تدريبية على ارض مصر وبتمويل خاص لا يثقل كاهل وزارة الثقافة على أمل أن يكون نتاج تلك الورش انتاج عروض مسرحية مشتركة.. وهى خطوة مهمة لأول مرة ينفذها مهرجان مسرحى دولى فى مصر تسمح باستمرار عمله طوال العام. ثانية هذه الخطوات هى إعلان عن استفتاءات متنوعة حول أفضل العروض العربية والأجنبية بهدف معرفة الذوق العام المتلقى للعروض ومراجعة الذات خلال عمل لجان المشاهدة فى الدورات القادمة وكذلك استمرار توطيد العلاقات المسرحية بين مختلف الجنسيات وربطهم بفعاليات المهرجان، وهو ما سيزيد من رغبة الفرق المسرحية العالمية المختلفة ورفيعة المستوى فى المشاركة بدوراته القادمة. ثالثة هذه الخطوات بدأت قبل المهرجان باستدعاء عدد من العروض المسرحية العالمية التى سبق عرضها فى المهرجان وتقديمها على شاشة سينما مع تقديم تحليل درامى لمشاهدى تلك العروض التى كانت بعنوان «ذاكرة المهرجان» على أيدى أساتذة متخصصين فى علوم المسرح والاخراج والنقد.. أما الخطوة اللافتة جدا فى تصورى فكانت فى اعادة تقديم العروض المصرية الأربعة الفائزة بجوائز أفضل إخراج وأفضل عمل جماعى خلال دورات المهرجان الثلاث والعشرين، والتى حققت اقبالا جماهيريا غير مسبوق يؤكد شغف الجمهور لمشاهدة الأعمال المسرحية البارزة مثل قهوة سادة للمخرج خالد جلال والتى كاد الجمهور يقتحم أسوار المسرح القومى لمشاهدتها بأغلب نجومها بعد عشر سنوات من أول عرض لها خاصة أنها كانت سببا فى تحويل مسار العروض المسرحية فى مصر والانتباه إلى أهمية مدرسة الارتجال فى تقديم عروض تقتحم سلبيات المجتمع عبر الكوميديا السوداء، بالإضافة إلى عرض الطوق والاسورة للمخرج ناصر عبدالمنعم والذى اضطر لتقديم العرض مرتين فى ليلة واحدة بسبب الإقبال الجماهيرى، كما أنها ستبدأ موسما مسرحيا جديدا خلال أيام، وكذلك عرضا خالتى صفية والدير للمخرج محمد مرسى ابراهيم وكلام فى سرى لريهام عبدالرازق، ولم لا فإن مصر قد فازت خلال تلك الدورات عشر مرات بجوائز مختلفة وأن إعادة أهم تلك العروض بهذا الشكل المبهر يدعو للتفكير بجدية فى تعميم فكرة اعادة أهم الاعمال مرة أخرى على مستوى مسارح الدولة، وهو بالفعل ما يفكر فيه مثلا المخرج المتميز شادى سرور مدير مسرح الطليعة بإعادة تقديم أهم الأعمال الناجحة على التى سبق, حققت نجاحات كبيرة خلال السنوات الماضية مثل مخدة الكحل لانتصار عبد الفتاح والذى لم يسعفه الوقت بالعرض خلال الدورة الفضية كما كان مقررا.. وغيرها من العروض المهمة. وبنظرة سريعة على العروض المسرحية التى تم تقديمها خلال هذه الدورة فقد سعت لجنتا مشاهدة واختيار العروض العربية التى شرفت بعضويتها- والأجنبية لاختيار مدارس واتجاهات مسرحية حديثة ولافتة والتى بالطبع ستنال إعجاب البعض ولن تحوز رضا البعض الاخر.. ففى العروض العربية تفاعل الجمهور بكامل طاقته مع عرض «مروح ع فلسطين» بسبب قدرة ممثليه على تجسيد معاناة الشعب الفلسطينى فى التنقل داخل بلادهم بسبب جيش الاحتلال الصهيونى، ولجوء أبطال العرض إلى استخدام أجسادهم فى تكوين الديكور والاكسسوارات وحتى المؤثرات الصوتية فى بؤرة ضوئية لا تتجاوز مساحتها مترا فى متر واحد على خشبة المسرح. بينما كان عرض الشقف التونسى والحائز على أعلى درجات فى استفتاء إدارة المهرجان، صرخة إنسانية مؤلمة تعبر عن مأساة ضحايا الهجرة غير الشرعية، باستخدام ممثلين متعددى الجنسيات يواجهون صراعا مريرا فى عمق البحر حتى يلقوا حتفهم على شواطئ أوروبا، واستخدم المخرج فى توصيل رسالته «نطاطة أطفال» كمركب تتلقفه الأمواج ويصارع ركابه خلال رحلة الموت المؤلمة.. بينما اضاف عرض حضرة حرة رصيدا جديدا من التعاطف مع الشعب السورى الشقيق بسبب رؤية مخرجه التى جمعت بين الرقص المعاصر والأغنيات الصوفية المؤثرة.. وحول موضوع العنف دار عرضا «العنف» التونسى و«بهجة» السويسرى، وإن اختلفا فى تناول تلك القضية، فعبر الأول عن صراع الشعب التونسى مع المعتقلات بعد الثورة التونسية أو خلالها ولكن باستخدام الأداء اللفظى العنيف بين ابطاله، فى حين عبر العرض السويسرى عن قضية العنف بأداء راقص رغم اعتماده أولا وأخيرا على الضرب المبرح فقط بين ابطاله، فأنت تشاهد طول الوقت رجالا ونساء يضربون بعضهم البعض طوال ساعة كاملة ولكن مع أداء وتعبير حركى معاصر لا يخلو من الكوميديا. واثار عرض «الروعة» الجورجى اعجاب الجمهور نظرا لاعتماده على الأصابع فقط فى تجسيد الرقصات الوطنية لبعض الدول وبعض المشاهد الدرامية من أهم العروض.. وسر جاذبية هذا العرض هو حالة التواصل والتوافق البدنى والذهنى الرهيب بين ممثلى العرض واصابعهم بحيث تنقل الأصابع إحساس الممثل وما تؤديها كما لو كان جسده هو المؤدى بالضبط، ناهيك عن الاستخدام المتقن والدقيق للاكسوارات والملابس المناسبة للأصابع والأيدى. اللافت والغريب فى عروض هذا العام أنها تخلو من أى حالة درامية رومانسية أو كوميدية من الألف إلى الياء، وهى ظاهرة تبدو كما لو كان العالم يقبع تحت وطأة العنف والألم وأنه لم يعد هناك مكان للحب بين شعوبه. انتهى المهرجان بحلوه ومره وبقى الاستعداد لدورة قادمة أقوى وأفضل.. مع ضرورة اعادة النظر فى بعض بنود لائحة المهرجان مثل خضوع كامل العروض المصرية للجان المشاهدة بدلا من تصعيد العروض الفائزة فى المهرجان القومى للمسرح نظرا لطبيعة المهرجان التجريبى الخاصة، وكذلك اعادة النظر فى كلمة المعاصر التى لا أراها تضيف جديدا على محتوى المهرجان.