ربما كانت المرة الأولى التى ينص فيها بند مستقل فى الاتفاقية الموقعة بين مصر وروسيا. بمناسبة زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى روسيا. على العلاقات الثقافية بين البلدين. ولأنه جرى تحديد 2020 سنة روسيا فى مصر. فإن هذا يعنى أن تستعد وزارة الثقافة وجماعة المثقفين والجمعيات الثقافية للاحتفال بهذه المناسبة. عندما أجعل الثقافة عنوانا للعام الذى لا يفصلنا عنه الكثير. أختزل البعد الحضارى فى علاقات المصريين والروس. سواء عندما كانوا روساً، وبعد أن أصبح يطلق عليهم السوفيت. ثم عادوا مرة أخرى للمسمى القديم: الروس. فضلاً عن أن الاتجاه للشرق مهم بعد التغيرات التى نراها فى الغرب. منذ رحلة الطهطاوى. ومع كل الاهتمام الذى حظيت به رحلة الشيخ رفاعة والطبعات المتتالية لكتبه، سواء عن باريس أو عما رآه واحتك به هناك وحاول نقله لمصر. فإنه فى المقابل فإن الشيخ محمد عياد الطنطاوى، الذى سافر إلى روسيا فى وقت متقارب مع سفر الشيخ رفاعة الطهطاوى. لم تحظ بأى اهتمام. علينا أن نمسك بين أيدينا بكل ما يوحد بين الشعبين. وهو أكثر من الكثير. وفى مجالات متعددة. وقبل أن أتوقف أمام الثقافة التى جمعت بيننا وبينهم. ثقافتنا وتاريخهم الثقافى. فإن هناك أشكالا أخرى من التعاون العلمى والتلاحم العسكرى الذى أشير إليه وأتركه لأهل التخصص. فلولا هذه البلاد ما كانت حرب الاستنزاف. وما وصلنا إلى السادس من أكتوبر بالإنجازات الكبرى التى تمت فيه. ثم هل يمكن أن يدلف الإنسان إلى ما يربط بيننا دون أن تبدأ رحلته من ملحمة بناء السد العالى الذى كان حلما راود المصريين. وستظل ملحمة بنائه وما جرى فيها من إنجازات مسألة مهمة فى العلاقة الإنسانية بيننا وبينهم. ومن يعد ليوميات بناء السد العالى والأشعار التى قيلت. خصوصاً ديوان شعر عبد الرحمن الأبنودى: جوابات حراجى القط. الذى يحكى فيه تجاربه اليومية عندما سافر ليصبح جزءاً من الذين بنوا السد العالى. عند الثقافة سنكتشف أن الإرث الثقافى طويل وعميق وملىء بالتفاصيل والوقائع. ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن. رغم الحملات التى تعرض لها الاتحاد السوفيتى فى الربع الأخير من القرن العشرين. هل نعرف أنه كانت هناك مراسلات بين تولستوى أديب روسيا القيصرية والإمام محمد عبده. سافرت إلى الاتحاد السوفيتى لأول مرة سنة 1986 لأحضر صدور ترجمة بعض رواياتى إلى اللغة الروسية. قامت بالترجمة وقدمتها المستعربة الروسية فاليريا كيربتشينكو. لم تكن تحب كلمة مستعربة. رغم أننا كنا نذكرها كمقابل لكلمة مستشرق بالنسبة لأهل الغرب الذين اهتموا بنا. المرحومة فاليريا والدة السفير الروسى الآن فى القاهرة: سرجى كيربتشينكو. الذى أخذ عنها حب اللغة العربية ويتحدثها بطلاقة. وعشق كل ما هو مصرى. أتأمل حكايتين تعكسان الموقف غير المتكافئ بين الغرب والشرق. وأكتب عن شخصيتين فقط: الأول: الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى، الذى بدأ المنعطف الكبير فى سيرة حياته مع سفره لأول مرة سنة 1826 إلى فرنسا ضمن بعثة. أرسلها محمد على، على متن السفينة الحربية الفرنسية لاترويت فى 13 أبريل 1826 لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، وكان عمر رفاعة حينها 24 عاماً. أرسله محمد على ليُدَرِّس الدين الإسلامى والقرآن الكريم والأحاديث النبوية المطهرة للطلاب المبعوثين. فتشاء المقادير أن يصبح أكثر أبناء البعثة شهرة. وبعد عودته من هناك لعب دوراً مهماً فى العلاقة بين بلادنا وبلادهم. تقول كتب التاريخ إن الشيخ حسن العطار كان وراء ترشيح رفاعة للسفر مع البعثة إمامًا لها وواعظا لطلابها. وكان بينهم 18 من المتحدثين بالعربية. بينما كان البقية يتحدثون التركية. ورغم أن سفره كان لأسباب دينية فإنه درس الفرنسية والعلوم، وبعد خمس سنوات أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدم مخطوطة كتابه الذى نال بعد ذلك شهرة واسعة: تخليص الإبريز فى تلخيص باريز. فى الوقت نفسه سافر إلى روسيا الشيخ محمد عياد الطنطاوى، الذى غادر القاهرة عام 1840، وكان السفر عن طريق النيل إلى الإسكندرية، وركب الباخرة ووصل إلى أوديسا على ساحل البحر الأسود ، ومن هناك غادر إلى كييف، ثم واصل رحلته ليصل إلى سانت بطرس بورج مايو 1840، فيكون قد قضى فى طريقه نحو 70 يوماً. لن أكتب عن إهمالنا للشيخ عياد الطنطاوى. لكن لأبدأ بنفسى، منتقداً لجهلى، عندما سافرت إلى الاتحاد السوفيتى، وكانت سانت بطرس بورج قد أصبح اسمها ليننجراد. اكتشفت أنه فى مقبرة المدينة يوجد شاهد لمصرى مدفون. وباعتبارى من أحفاد من بنوا الأهرام واعتبروها أهم منجزاتهم. ذهبت إلى المقابر لتبدأ معى حكاية الشيخ محمد عياد الطنطاوى، الذى لم أكن أعرف عنه أى شىء. بعد عودتى للقاهرة اكتشفت أن الكتاب الوحيد الصادر عنه فى مصر التى من المفترض أنها بلده، كتاب مترجم لمستشرق روسى نشره المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، والمستشرق هو كراتشوفيسكى، ومن الكتاب عرفت قصة الشيخ محمد عياد الطنطاوى. أخذتنى حكاية الرجلين، أول من طرق أبواب الغرب من المثقفين، وأول من رحل نواحى الشرق من جماعة المثقفين لكى أصل إلى الظلم الفادح الذى وقع على من اختار الشرق طريقاً له. وهو ما أتمنى أن نرد له الاعتبار خلال عام الثقافة الروسية فى مصر 2020 ولغيره من الذين لعبوا أدوارا شديدة الأهمية فى العلاقات بين مصر وروسيا. إن كانت نقطة البداية من الشيخ عياد الطنطاوى. فإن الخط ما زال مستمراً حتى الآن من خلال ما يقوم به الدكتور أنور إبراهيم الذى يعود له الفضل فى ترجمة الكتب الكثيرة من الروسية، بل عندما أصبحت روسيا ضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب فى زمن الدكتور ناصر الأنصارى، كان صاحب الفكرة هو أنور إبراهيم. يقف فى المسافة بينهما الدكتور سامى الدروبى، لولاه ما قرأنا تولستوى، وديستوفيسكى بمؤلفاتهما الكاملة وغيرهما. ورغم أن الدروبى كان يترجم عن الفرنسية، فإن نصوصه لم تكن تقل أهمية عن الأصول الروسية التى كُتبت بها. لمزيد من مقالات يوسف القعيد