ما الذى يدفع شخصا ما لعرض مشكلة خاصة على أحد مواقع التواصل الاجتماعى وينتظر حلا فعالا من المتابعين؟هل لأنه من الأسهل أن يكون المرء أكثر صراحة وجرأة أمام أناس لا يعرفهم شخصيا مختفيا خلف شاشة إلكترونية؟ أم هى الرغبة فى الحصول على أكبر عدد من الحلول المتنوعة فى أقل فترة زمنية للاختيار من بينها؟ أم مجرد الفضفضة وتلمس أنه ليس وحده وأن هناك آخرين مروا بنفس الشيء حتى وإن لم يستفد من خبراتهم؟. لماذا لم يلجأ هذا الشخص إلى قريب أو صديق حميم لمناقشة مشكلته وجها لوجه مما يضمن على الأقل أن يطرح هذا القريب أو الصديق حلولا أنسب نظرا لمعرفته بطبيعة شخصية صاحب المشكلة وما يقدر أو لا يقدر على القيام به؟ تدافعت كل هذه الأسئلة إلى ذهنى وأنا أقرأ تحقيقا فى صحيفة الأهرام حول تزايد أعداد من يلجأون للعالم الافتراضى لعرض مشاكلهم الخاصة، ثم تذكرت كتاب: وحدنا، معا.. لماذا نتوقع أكثر من التكنولوجيا وأقل من بعضنا, لشيرى تركل أستاذة علم الاجتماع الأمريكية, فقد حذرت تركل فى الكتاب الصادر عام 2012 من أن البشر يقتربون بخطى سريعة نحو التحول إلى روبوتات اجتماعية حيث أصبحوا يعتمدون على التكنولوجيا فى كل شيء حتى فى تكوين صداقات. ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الأصدقاء الافتراضيون هم الأقرب، وإن كان قربا مزيفا، وتراجع التفاعل وجها لوجه مع الأصدقاء الحقيقيين، وكأن كثيرين لم يعودوا يتحملون فكرة التعامل مع الانفعالات التلقائية غير المرتبة للآخر، وانخدعوا بما تقدمه التكنولوجيا من إيهام بالقدرة على السيطرة والتحكم فى حجم المساحة التى تمنحها للآخرين مما أفقد بعضنا مهارات أساسية يكتسبها عن طريق التواصل الحي. فخلال التفاعل الإنسانى المباشر يتعلم الإنسان بالتدريج كيف يتفهم ويتعامل ويتقبل عيوب وتعقيدات شخصية الصديق، ليس هذا فقط بل إن خوض التجارب ومواجهة الاختبارات الحياتية معا يوطد من أواصر الصلة ويقوى أسس الصداقة، فى حين أنه فى حالة التواصل الإلكترونى يمكن للمرء أن يقدم نفسه فى أفضل صورة متخفيا وراء الشاشة دون أن يرى أحد ما يدور بداخله. ومع تزايد أعداد الأصدقاء والمتابعين على الصفحة يحصل المرء على وهم الصحبة، أى يكون هناك تواصل وتبادل للكلمات الرقيقة الداعمة وربما التشارك فى الضحك ولكنك فى واقع الأمر وحدك، فأنت جالس بمفردك محملقا فى شاشتك معظم الوقت، كما أن هؤلاء الأصدقاء الافتراضيين لا يعرفون عنك ما يذكر أو بالأحرى لا يعرفون عنك سوى ما تصدره أنت. ولتجسيد الفرق بين نظرة الجيل السابق والجيل الحالى لفكرة التفاعل والتواصل وجها لوجه تسوق تركل مثالين بفارق 25 عاما، حيث سألت مراهقا فى عام 1983 لمن قد يلجأ للحديث عن مشاكله مع الفتيات، فأجاب أنه قد يستشير والده، ولكنه مستحيل أن يلجأ إلى جهاز الكمبيوتر، لأنه لن يتفهم المشاعر الانسانية. ولكن عند طرح السؤال نفسه على مراهق فى عام 2008 أجاب بأنه قد يفضل اللجوء إلى روبوت مبرمج بقاعدة بيانات ضخمة عن نماذج مختلفة للعلاقات بين الجنسين بدلا من استشارة والده الذى قد يعطيه نصيحة سيئة!. لمزيد من مقالات هناء دكرورى