تراجع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 9 مايو 2024    جدول مواعيد قطع الكهرباء الجديدة في الإسكندرية (صور)    ارتفاع أسعار النفط مع تقلص مخزونات الخام الأمريكية وآمال خفض الفائدة    قوة وأداء.. أفضل 7 سيارات كهربائية مناسبة للشراء    «رفح الفلسطينية» كابوس يواجه إسرائيل.. شبح العقوبات الأوروبية والأمريكية يلاحق تل أبيب    بعثة الزمالك تسافر اليوم إلى المغرب استعدادا لمواجهة نهضة بركان    مدرب نهضة بركان السابق: جمهور الزمالك كان اللاعب رقم 1 أمامنا في برج العرب    أحمد عيد عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    محمد فضل: صورة الكرة المصرية بالخارج سيئة.. وهذا موقفي من انتخابات الجبلاية    حر جهنم وعاصفة ترابية، تحذير شديد من الأرصاد بشأن طقس اليوم الخميس    حرارة قاسية اليوم.. والأرصاد تُصدر تحذيرا عاجلا    للفئة المتوسطة ومحدودي الدخل.. أفضل هواتف بإمكانيات لا مثيل لها    يسرا تواسي كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    الغندور يطرح سؤالا ناريا للجمهور عقب صعود غزل المحلة للدوري الممتاز    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    ناقد رياضي يصدم الزمالك حول قرار اعتراضه على حكام نهائي الكونفدرالية    ارتفاع كبير.. مفاجأة في سعر الحديد والأسمنت اليوم الخميس 9 مايو بالبورصة والأسواق    بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    الفصائل الفلسطينية تشارك في مفاوضات القاهرة    الأوبرا تحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة على المسرح الصغير    مصطفى خاطر يروج للحلقتين الأجدد من "البيت بيتي 2"    ما الأفضل عمرة التطوع أم الإنفاق على الفقراء؟.. الإفتاء توضح    مواد مسرطنة في القهوة منزوعة الكافيين احذرها    انتخاب أحمد أبو هشيمة عضوا بمجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    معلومات عن ريهام أيمن بعد تعرضها لأزمة صحية.. لماذا ابتعدت عن الفن؟    حقيقة تعديل جدول امتحانات الثانوية العامة 2024.. اعرفها    «المصريين الأحرار»: بيانات الأحزاب تفويض للدولة للحفاظ على الأمن القومي    مصدر: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهود المصرية في وقف إطلاق النار    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9 مايو في محافظات مصر    بعد إصدار قانون التصالح| هذه الأماكن معفاة من تلك الشروط.. فما هي؟    إعلام فلسطيني: غارة إسرائيلية على حي الصبرة جنوب مدينة غزة شمالي القطاع    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    خوان ماتا: عانيت أمام محمد صلاح.. وأحترمه كثيرا    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    ننشر أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«روشتة» لوضع مصر على خريطة السياحة العلاجية عالميا
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 10 - 2018

بعد حضور عدة مؤتمرات دولية عن السياحة العلاجية فى عدد من الدول المتقدمة، اعتقدت أنه مازال أمام مصر عشرات السنين لتستطيع المنافسة فى تلك السوق التى تعد من أسرع قطاعات السياحة نموا فى العالم حيث يتراوح حجمها الآن إلى ما بين (50 و55 مليار دولار) نصيب مصر منها صفر.. لمن لا يعرف فأن السياحة العلاجية ليست هى الاستلقاء تحت الرمال الساخنة أو السباحة فى المياه الكبريتية فهذه يطلق عليها «السياحة الاستشفائية»، وهى مع (السياحة الطبية» تكونان مفهوم السياحة العلاجية، وقد رأيت فى بعض الدول مستشفيات يفوق مستواها
فنادق السبعة نجوم، كما رأيت بنية تحتية متقدمة تناسب السائحين أيا كان مقصدهم السياحي، فشعرت أن طريق المنافسة مازال طويلا أمام مصر.
لكن بعد حضور مؤتمرات مماثلة فى الهند التى تحتل المرتبة الثالثة فى معظم تصنيفات أهم مقاصد السياحة العلاجية العالمية، تيقنت أن مصر ليست بعيدة عن الحصول على نصيبها العادل من كعكة السياحة العلاجية التى تستحوذ الهند على نصيب الأسد منها رغم تواضع مستشفياتها التى لا يزيد مستوى كثير منها على مستوى المستشفياتنا الحكومية، فضلا وتدنى بنيتها التحتية خاصة الطرق والمواصلات إلى أقل درجة!».
30 كيلومترا.. هى المسافة بين قاعة المؤتمرات بوسط ولاية بنجلور الهندية إلى المستشفى الذى يقع على أطرافه، قطعتها السيارة فى خمس ساعات كاملة! اعتقدت أن هناك طارئا على الطريق أصاب المرور بشلل تام، لكن لاحقا علمت أن هذه هى الحالة المرورية العادية فى شوارع بنجلور التى يعدونها من أجمل وأهم ولايات الهند السياحية، وهى أيضا إحدى العواصم الطبية المعروفة فى العالم .. لم يكن سوء حالة الطريق والمواصلات هى المفاجأة الوحيدة، إذ سرعان ما تلقيت المفاجأة الثانية عند وصولى إلى المستشفى الذى يحصل على نسبة كبيرة من نصيب السياحة العلاجية فى بنجلور، فالمشفى لا يزيد كثيرا على مستوى المستشفيات الحكومية فى مصر، بل إن كثيرا منها يفوقه فى ضخامة الإنشاءات وتعدد التخصصات، وهو بالطبع لا يمكن مقارنته بمستشفيات تركيا، كانت المفاجأة الثالثة أن هذا المشفى يجرى أعقد العمليات الجراحية المتخصصة فى نقل وزراعة الأعضاء، أما رابع المفاجآت الهندية _وليس آخرها_ فهو ما أعلنه مؤتمر السياحة العلاجية الأخير من أن 50% من المرضى الذين تستقبلهم الهند سنويا هم من أفريقيا، وأن مائة ألف منهم يأتون من شرق القارة السمراء، بينما يتوافد سنويا على الهند مائة ألف آخرين من كينيا وحدها بحثا عن رعاية طبية!! وللأسف فأن الهند التى تقع فى قارة أخرى بعيدة تجذب آلاف الأفارقة الذين يمرون فى سماء مصر لتلقى العلاج بعيدا عنها منفقين أكثر من مليار دولار سنويا فى الهند وحدها حسبما أعلن المؤتمر.
أما المزايا التى تقدمها الهند للحصول على هذه القطعة الكبيرة من كعكة السياحة العلاجية العالمية فهى مثلما رأيتها بعيني- رعاية الدولة بنفسها لهذا النوع من السياحة رعاية حقيقية، فالمؤتمر الضخم الذى حضره أطباء وإعلاميون ووكلاء تسفير المرضى من 66 دولة تمت دعوتهم جميعا من قبل الدولة ممثلة فى وزارة السياحة والصحة، وافتتح المؤتمر رئيس الهند مرحبا بالضيوف، كما أن الدولة تشرف على برامج الخدمات الطبية المقدمة وتقوم بتحديد أسعارها وفقا للسوق العالمية صعودا وهبوطا ولا تتركها فريسة لكل مستشفي، وأخيرا تقدم الدولة تسهيلات التأشيرة العلاجية وغيرها من الإجراءات.
أما المستشفيات فهى تتبارى فى جذب المرضى من أنحاء العالم فيوفر معظمها مكتبا لخدمة العملاء للتحدث بكل اللغات وعلى رأسها العربية ! كما أنهم لا يغالون فى سعر الخدمة الطبية التى تعد الأرخص فى العالم (مصر خارج المنافسة باعترافهم ويحمدون الله أنها ليست على الخريطة العلاجية لأنهم لا يستطيعون منافسة أسعارها لو حدث)، كما أنهم استدعوا مشاهير الأطباء الهنود الذين يعملون فى بريطانيا وأمريكا للعودة والعمل فى الهند لتقديم أعلى مستوى من المهارات الطبية .
مصر خارج السباق
بعد زيارة الهند أكثر من مرة للتحقق من أنها لا تفوقنا إلا فى المليارات التى تجنيها من السياحة العلاجية، عدت إلى مصر لأبحث عن الأسباب التى تعوقها عن حصد ما تستحقه من هذه الكعكة الكبيرة المسماة بالسياحة العلاجية، ولماذا تقف بعيدا من السباق رغم إنها تمتلك كل مقوماته من أطباء ذوى سمعة عالمية ذائعة الصيت، وعدد من المستشفيات المجهزة على أعلى مستوى (على الأقل بالنسبة إلى الهند )، وتلك مقومات السياحة الطبية أما السياحة الاستشفائية فليس لمصر منافس فى العالم لما تحتويه من طبيعة ورمال ساخنة وآبار كبريتية وكهوف ملح وطمى وأعشاب بحار.
البداية كانت مع خالد مهران، مصرى يقيم بالبحرين ويعمل مديرا تنفيذيا لإحدى المجموعات الطبية الضخمة التى تقدم خدمات العلاج للخليجيين خارج بلادهم، بادرته بالسؤال : لماذا لا تأتى بمرضاك إلى مصر ؟
أجاب «كنت ومازلت أتمنى هذا فقد افتتحت مجموعتنا مكاتب فى الهند وتركيا وامريكا وانجلترا، لكن للأسف هناك عقبات كثيرة تحول بيننا وبين البدء فى وضع مصر على خريطتنا العلاجية، أهمها عدم اهتمام الدولة بوضع بروتوكول تعاون محدد بين القطاع الطبى العام والخاص الذين لابد من تكاملهما فى أى دولة تطمح لجذب المرضى من أنحاء العالم وهذا غير ممكن حدوثه إلا بدعم الدولة ورعايتها، وعليها أيضا أن تضع معايير جودة صارمة وتضمن الالتزام بها، يأتى بعد ذلك الاهتمام بالتخصصات التى تميز مصر لأننا فى الغالب لا نوجه مرضانا إلى بلاد معينة لكننا نرشح له الدول الأعلى فى تقديم الخدمة الطبية التى يحتاجها، ومصر متقدمة جدا فى العلاج الكيماوى (لديها بروتوكولات خاصة ناجحة جدا) والجراحى خاصة جراحات المناظير لحالات السرطان، كما أنها متقدمة فى جراحات السمنة وتقدمها بأسعار تنافسية لا مثيل لها فى العالم، وأيضا جراحات العظام والعمود الفقري.. وبعد تحديد التخصصات التى نتفوق فيها يأتى دور التعريف بها والترويج لها عالميا ليس عن طريق إقامة المؤتمرات الداخلية التى تتحدث مع نفسها، لكن عن طريق السفارات والقنصليات المصرية حول العالم والتى يجب أن يكون بكل منها مكتب تمثيل للسياحة العلاجية، وإقامة مؤتمرات دولية حقيقية يتم خلالها دعوة أطباء ووكلاء سياحة عالمية من جميع أنحاء العالم يقابلهم مقدمو الخدمة الطبية المصرية من ممثلى المستشفيات المعتمدة والشركات الطبية والخدمات اللوجيستية».
ولخبرته الطويلة فى تسفير المرضى الخليجيين للعلاج، سألت خالد عن جنسيات المرضى التى يجب أن تستهدفهم مصر للعلاج بها فأجاب «تحديد المريض المستهدف من أهممن عوامل نجاح منظومة السياحة العلاجية، وبالنسبة لمصر أرى أن المريض الخليجى لابد أن يكون على رأس القائمة لما تربطه بمصر من عوامل ثقة وقواسم مشتركة لا يجدها فى الهند ولا تركيا، والمريض اليمنى لابد أن يكون مستهدفا لعدم وجود خدمة طبية فى اليمن خاصة فى السنوات الأخيرة مما يدفع اليمنيين جميعا لطلب العلاج فى الخارج ويمثلون رقما كبيرا فى السياحة العلاجية، ثم يجب التركيز على المريض السودانى الذى يعتبر مصر بلده الثانى ولن يفكر فى بديل آخر لو توافر بها مقصده العلاجى فى منظومة متكاملة مثلما يجده خارجها، أما أفريقيا بالكامل فهى هدف كبير ليس فقط لتحقيق العمق الاستراتيجى ولكن لأنها تمثل الشريحة الأكبر فى نسبة المرضى فى السياحة العلاجية العالمية لانتفاء الخدمات الطبية فى أغلب دولها»
أما الدكتور فتوح حسنين طبيب الأطفال الذى ساعد فى نقل عدد من الحالات الحرجة الميئوس من شفائها إلى دول أخرى لتلقى العلاج، ويتمنى أن يساعد أيضا فى جلب مرضى من الخارج لتلقى العلاج فى مصر، فيروى تجربته قائلا «بدأت منذ عام 2010 فى مساعدة بعض حالات الأطفال الحرجة التى ليس لها علاج فى مصر مثل عمليات القلب المعقدة، للسفر وتلقى العلاج فى الخارج وكانت تتم فى أغلبها من التبرعات، أما على الجانب العكسى وهو استقدام مرضى للعلاج فى مصر فأكثر ما كانوا يحتاجونه ويسألون عنه هو عمليات زراعة الكبد والكلي، وهى عمليات متقدمة هنا وتحقق نسب نجاح طيبة لكن للأسف علمت أن مصر لا توفر المتبرعين وتشترط حصول المريض على متبرع من جنسيته مما أغلق هذا الباب تماما لأن دولا مثل الهند تستقبل المريض الذى يحتاج لنقل وزراعة أعضاء وتوفر له العضو المطلوب وتقوم بزراعته مما جعلها المقصد الأول لهذا النوع من المرضي»
كما أن مصر بها عدد من المستشفيات المتخصصة المجهزة على أعلى مستوى مثل مركز الكلى بالمنصورة ومستشفى 57 ومستشفى أبو الريش وغيرها، أما ما يميز مصر ويكاد يكون بلا منافس فهو امتلاكها مقومات السياحة عموما والسياحة الاستشفائية ذات الطبيعة الخاصة مثل سيوة والبحر الأحمر وغيرها، كما يميزها أيضا انخفاض تكلفة الخدمات الطبية مقارنة بكل دول العالم .. لذلك أرى أن مصر مؤهلة تماما لتحقيق مكانة متقدمة فى سوق السياحة العلاجية شرط التركيزعلى تقديم خدمات طبية تنافسية والترويج لها بالشكل اللائق والاهتمام بالنظام والنظافة فى الأماكن التى تستقبل المرضي»
هيئات بلا فعالية
فى مؤتمرات السياحة العلاجية الدولية حرصت على الحديث مع كثيرين من وكلاء السياحة العلاجية خاصة العرب منهم (وهم العدد الأكبر بين الحضور) الذين تتم دعوتهم لتلك المؤتمرات لتعريفهم بالمستشفيات والخدمات الطبية والتسهيلات التى تدفعهم بعد عودتهم إلى بلادهم لإرسال عشرات الألوف من مرضاهم إلى تلك الدول، لم أكن أسألهم إلا سؤالا واحدا «لماذا لا ترسلون مرضاكم إلى مصر؟» وتشابهت إجاباتهم ولخصها زياد لبان الذى يدير أحد مكاتب السياحة العلاجية السعودية قائلا «انعدام الثقة ! نعم .. فمستشفيات «بير السلم» انتشرت فى مصر، والأطباء الذين يعملون بلا ضمانة من الدولة شوهوا سمعة أطباء مصر الذين نعلم أنهم أمهر أطباء العالم، لكن عندما أفكر فى ترشيح مصر كوجهة علاجية لمرضاى لا أجد برنامجا طبيا حكوميا يحدد لى مجموعة من المستشفيات المعتمدة والأطباء للتعامل معهم بثقة تحت سمع ومرأى ورقابة الدولة، ثم لا أجد تسعيرة محددة للخدمات الطبية فيقع المريض فريسة للفهلوة والاستغلال، وأخيرا لا توجد تسهيلات فى منح التأشيرات وباقى التسهيلات الأمنية التى يحتاجها المريض مثل سرعة خروجه من المطار ووجود سيارة اسعاف فى انتظاره وتسهيل اقامته التى قد تمتد حسب حالته الصحية، وغيرها من تعقيدات روتينية تجعل رحلة المريض ومرافقيه غير مضمونة النتائج»
كان لابد من مواجهة أحد المسؤلين أو صناع القرار لأفهم لماذا تتجاهل الدولة تلك المعوقات التى تعوق مصر عن الانطلاق فى مجال سيدر عليها ملايين الدولارات مقابل بعض الإجراءات المحدودة التى لن تتكلف كثيرا، وبالبحث اندهشت لوجود ما يسمى «الهيئة العليا للسياحة العلاجية»، إذن لدينا هيئة، وعليا أيضا، وشديدة التخصص ! ما الذى ينقصنا إذن ؟ توصلت لواحدة من أنشط أعضاء تلك اللجنة، الدكتورة غادة الجنزورى فحملت إليها التساؤلات وما توصلت إليه من سلبيات لأرى ما عندها من حلول
كانت ذهشتى أكبر عندما قالت لى الدكتورة غادة «لن أستطيع إفادتك بأى أرقام أو احصاءات عن حجم السياحة العلاجية فى مصر ولا عدد مستشفياتها أو اطبائها المؤهلين ولا عدد المرضى غير المصريين الذين يزورونها سنويا، وذلك ببساطة لأن الهيئة لا تملك قاعدة بيانات !! وأرقام مصر للأسف غير دقيقة، ولا توجد وسيلة «مهيكلة» لتجميع المعلومات، وعلى حد علمى لا توجد جهة على مستوى الدولة تملك تلك المعلومات، ويمكنك سؤال رئيس الهيئة العليا للسياحة العلاجية الذى هو نفسه وزير الصحة»
وبعد أن ابتلعت دهشتى سألتها كيف يعملون فى جهة متخصصة أنشأتها الدولة للنهوض بالسياحة العلاجية، وكيف يضعون رؤية وهم لا يملكون قاعدة البيانات التى تتيح لهم ذلك ؟ أجابت الدكتورة غادة «الهيئة تم انشاؤها منذ أقل من سنة، ونحن نعمل بها كمتطوعين، لكن أنا شخصيا وبشكل فردى أعمل فى هذا المجال منذ ما يزيد على عشر سنوات لأننى عضو بالمجلس التصديرى وباتحاد الصناعات وأنا وكيلة غرفة مقدمى الرعاية الصحية الخاصة،وفى أواخر عام 2010 كان هناك اهتمام من الدولة بالسياحة العلاجية ووجدنا أن تحديد التخصصات التنافسية التى سنقدمها للعالم ووضع علامة تجارية نعمل تحتها هى من الأولويات، وبالفعل أوكلنا لإحدى الشركات العالمية الكبرى تجهيز تلك الدراسات لكنها توقفت تماما بعد يناير 2011، ثم عادت الدولة مؤخرا للاهتمام مرة أخرى وأنشأت الهيئة العليا للسياحة العلاجية التى يرأسها وزير الصحة بنفسه، لكن هذا ليس ميزة دائما بسبب تغيير الوزراء الذى يؤثر بالسلب على أعمال الهيئة، كما أن الوزير عادة يكون مشغولا بأولويات كثيرة وغير متفرغ مما يؤخر اجتماعات وأعمال الهيئة التى لا تملك صلاحيات مناسبة لوضع الرؤى وتنفيذها، رغم أن الاهتمام بالسياحة العلاجية من المفترض أن يدر ملايين الدولارات التى يمكن توجيهها لتحسين الخدمة الطبية للمصريين وهو الشاغل الأكبر لأى وزير صحة»
وأضافت د.غادة «هناك حلول للعقبات الأساسية أمام جذب السياحة العلاجية إلى مصر، وعلى رأس تلك المعوقات عدم وجود مستشفيات معتمدة نظرا للتكلفة العالية للحصول على الاعتماد والتى تصل إلى مليون دولار للمستشفى الواحد، وأنا شخصيا أعرف 20 مستشفى على الأقل ذات مستوى يؤهلها للحصول على الاعتماد ويمكن بالتشارك بينها الحصول على اعتماد الجودة بسعر أقل كثيرا، كما أن معظم دول أفريقيا (وهى المستهدف الأول لمصر) لا تشترط اعتماد الجودة فى المستشفيات التى يتعامل معها مرضاهم، ربما لعدم وجود خدمة طبية لديهم أساسا، وتظل العقبة الحقيقية أمام المرضى الأفارقة هى عدم وجود خطوط طيران مباشرة بين دولهم ومصر، وأيضا سوء المعاملة التى يلقونها من مقدمى الخدمة الطبية فى مصر لأن البعض يعتبرهم «درجة ثانية» رغم أن عددا كبيرا منهم «عالى الإنفاق» لأنهم لا يأتون فرادى بل يأتى كل منهم برفقة عائلته»
وتختتم الدكتورة غادة الجنزورى حديثها بالمطالبة بإنشاء مجلس أعلى للسياحة العلاجية بصلاحيات كاملة على أن يضم فى عضويته ممثلين عن كل الجهات المعنية من سياحة وصحة ووزارتيّ الداخلية والخارجية، كما تطالب بوضع استراتيجية تضمن تعاون القطاعين العام والخاص مؤكدة أنهما لا يعملان حتى الان بروح الفريق الواحد .. فهل تستجيب الدولة ؟ وهل يستفيد صناع القرار من تلك «الروشتة» التى خلصت إليها الأهرام، لتنال مصر ما تستحقه من مكانة على خريطة السياحة العلاجية العالمية خاصة بعد أن تحقق لها الاستقرار الأمنى والسياسى ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.