رئيس مصر للطيران يعلن نقل أكثر 60 ألف حاج على متن نحو 654 رحلة جوية    محافظ الغربية يتفقد أعمال تطوير كورنيش محور محلة منوف بطنطا    وزير الخارجية يبحث مع مستشار ترامب عدد من القضايا الإقليمية    ترحيل المهاجرين لسوريا وأفغانستان.. محادثات وزيري داخليتي النمسا وفرنسا غدا    60 ألف جنيه غرامة جديدة من اتحاد السلة على جماهير الزمالك ومنعهم من الحضور    تحريات لكشف ملابسات تعرض شخص للسرقة في الشيخ زايد    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    وزير الثقافة يشارك فى مراسم تنصيب بابا الفاتيكان وسط حضور دولي رفيع    ننشر نص مشروع قانون العلاوة وزيادة الحافز الإضافى للعاملين بالدولة    ضمن خطة التنمية الاقتصادية.. نائب ب«الشيوخ» يطالب الحكومة بالتركيز على الاستثمار في الاتصالات والإصلاح الإداري    "القابضة لمياه الشرب" تواصل لقاءاتها مع شركات القطاع الخاص الوطنية    وزير الكهرباء: القطاع الخاص شريك فى مشروعات الاستراتيجية الوطنية للطاقة    عين شمس تبحث سبل التعاون الأكاديمي مع جامعة Vidzeme بدولة لاتفيا    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني محافظة قنا    الرئيس السيسى: مصر كانت ولازالت الأكثر تضررا من حالة عدم الاستقرار فى ليبيا    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    منتخب مصر تحت 16 عاماً يفوز على أيرلندا 3 – 2)فى دورة بولندا الدولية    دي بروين: ربما لا أشارك في كأس العالم للأندية مع مانشستر سيتي    وزيرة الرياضة الفرنسية: موقف مصطفى محمد غير أخلاقي.. ويجب تغريمه ماليًا    الشيوخ يحيل تقارير اللجان النوعية إلى الحكومة    رابط وموعد الاستعلام عن الامتحان الشفوي لشغل 1000 وظيفة إمام بوزارة الأوقاف    563 ألفا و818 طالبا وطالبة يؤدون امتحان المواد غير المضافة للمجموع بالشرقية    الإدارة العامة للمرور: ضبط 48397 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    تخفيف عقوبة قاتل اللواء اليمني ب«فيصل» من الإعدام إلى المؤبد    «رغم تنازل الأب».. النقض تسدل الستار بإعدام طالبة بورسعيد.. والنيابة: الحية التي قتلت والدتها    الجامعة الألمانية بالقاهرة تشارك في منتدى الأعمال العربي الألماني ببرلين    افتتاح معرض حلي الكرنك الذهبية بالأقصر بمناسبة احتفالات اليوم العالمي للمتاحف    «توأم الروح».. تعرف على أفضل 3 ثنائيات من الأبراج في العلاقات والزواج    "الإغاثة الطبية في غزة": مليون مواطن يواجهون الجوع وتكدس بشري في الشوارع    بمشاركة 4 ملايين صوت.. الكشف عن الفائزين بجوائز الموسم التاسع من مسابقة كأس إنرجي للدراما    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح عيوب الأضحية    «الصحة» تطلق بثا مباشرا يدعو لوضع سياسات صحية أكثر عدالة بشأن رعاية الأمراض النادرة    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    FDA الأمريكية توافق على لقاح نوفافاكس لكورونا من سن 12 سنة    حفيد عبدالحليم حافظ عن وثيقة زواج "العندليب" وسعاد حسني: "تزوير وفيها غلطات كارثية"    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    ليفركوزن: لا توترات بشأن مستقبل فيرتز    بدائل الثانوية العامة 2025.. شروط الالتحاق بمدرسة العربى للتكنولوجيا التطبيقية    بحضور وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مصر للمعلوماتية تنظم حفل تأبين للراحلة الدكتورة ريم بهجت.    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    فيديو.. لحظة اصطدام سفينة بجسر في نيويورك ومقتل وإصابة العشرات    السلطات السعودية تحذر الحجاج من ظاهرة منتشرة تعيق حركة الطائفين والمصلين    بعد عرض "كله مسموح".. كارول سماحة تشكر فريق المسرحية والجمهور    خذوا احتياطاتكم.. قطع الكهرباء عن هذه المناطق في الدقهلية الثلاثاء المقبل لمدة 3 ساعات    النائب عبد السلام الجبلى يطالب بزيادة حجم الاستثمارات الزراعية فى خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي الجديد    مستشهدًا ب الأهلي.. خالد الغندور يطالب بتأجيل مباراة بيراميدز قبل نهائي أفريقيا    في أجندة قصور الثقافة.. قوافل لدعم الموهوبين ولقاءات للاحتفاء برموز الأدب والعروض المسرحية تجوب المحافظات    رومانيا.. انتخابات رئاسية تهدد بتوسيع خلافات انقسامات الأوروبي    1700عام من الإيمان المشترك.. الكنائس الأرثوذكسية تجدد العهد في ذكرى مجمع نيقية    وسائل إعلام إسرائيلية: نائب الرئيس الأمريكي قد يزور إسرائيل هذا الأسبوع    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا منذ بداية الحرب    الرقية الشرعية لطرد النمل من المنزل في الصيف.. رددها الآن (فيديو)    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    النسوية الإسلامية (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): أم جميل.. زوجة أبو لهب! "126"    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جموح رعاة العولمة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 09 - 2018

بعد إعلان البوسنة والهرسك استقلالها عن يوجوسلافيا عام 1992، بدأ الصراع المسلح الذى استمر حتى عام 1995 المستولد بتأجيج المواجهات والصدمات بين الجماعات العرقية الثلاث، وهى الصرب، والكروات، ومسلمو البوسنة، حيث تبدى صراعًا مشحونًا بالمجازر الوحشية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية المفزعة، وتهجير السكان وتشتيتهم، فى ظل غياب آليات التحرك الدولى وتغييبها عن المشهد الكارثى ثلاث سنوات، وهو ما يفتح بوابة التأويلات الممكنة بحثًا عن البعد الخفى المريب لاستمرار تلك الكارثة، وتحديدًا فى ظل التزامن مع صدور إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأقليات فى عام 1992 الضامن لحقوق أقليات قومية، وعرقية، ودينية، ولغوية، وكان الرهان المعقود أن تتبدى البوسنة والهرسك دولة غير قادرة على تأكيد حق التنوع الإنساني، والنهوض به وحمايته، عندئذ بدأ التحرك الدولى عسكريًا الذى انتهى باتفاقية دايتون، التى أبرمت برعاية أمريكية عام 1995، ووقعها معها كل من فرنسا، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، ويوجوسلافيا، والبوسنة والهرسك، وكرواتيا، ثم صدر دستور عام 1995 الذى شابه العوار بافتقاده الشرعية، حيث لم تشارك أطياف الشعب فى وضعه، وأيضًا دون استفتاء الشعب عليه، وكذلك دون مصادقة من البرلمان، ودون الاعتداد بحجية أنه ليست ثمة دستورية من غير مساندة عريضة من الإرادة العامة للشعب، التى تمارس بذلك مسئولية دورها فى إدارة مجتمعها، انطلاقًا من إدراك قانونى يرتكز على مجموع الحقوق والواجبات المدنية منها والسياسية، وإدراك سياسى يرتكز على مبدأ الشرعية السياسية، الذى يقوم على التنظيم المجتمعي، ويرتبط تحقيقه بوعى الشعب بوجوده السياسي.
لا شك أن غياب هذه الحزمة الأساسية من الحقوق يعنى أن ثمة سلطة فوق الشعب قد فرضت هذا الدستور عليه، والواقع أن هذا الدستور قد صدر تنفيذًا لأحد بنود هذه الاتفاقية الدولية المعروفة باسم اتفاقية دايتون.
إننا بالأساس نعيد قراءة المشهد من منظور ما ينعطف به من تحول جذرى طرأ على سيادة الدول وحقوق شعوبها، بتأثير جموح سلطة دول رعاة العولمة، بما أصبحت عليه من قوة ضاغطة متحكمة، تختطف القضايا المجتمعية من سياقاتها الوطنية، وتعولمها بآلياتها وبرامجها المستجدة، من خلال سياسات وإجراءات عملية، لا يخضع فضاء نشاطها لحدود الأمم والأوطان، والدول وحقوقها؛ إذ فى ظل العولمة لم تعد تشكل الجغرافيا المحدد الرئيسى للحياة الاجتماعية والثقافية، وكذلك لا تستطيع البلدان أن تحصن نفسها من آثار القرارات والإجراءات التى يجرى ضخها عبر شرايين المؤسسات المتعددة الجنسيات بامتداد شبكاتها العالمية العابرة للقوميات، النافذة قوة واقتدارًا على تحرير سيولة الأموال، والسلع، والسلطة، والناس. إن دول رعاة العولمة لا تسمح للبلدان بأن تعيد صياغة ذاتها بذاتها فى مواجهة ما يدهمها من أزمات، سواء أكانت أزمات ذاتية المنشأ، أم أزمات قد صدرت إليها، استرصادًا لوضع مبتغى؛ بل إن سدنة العولمة يفرضون على بلدان العالم خططهم، وقراراتهم، ومصالحهم، وهم أيضًا يشرعون للشعوب الدساتير الفاقدة الشرعية، ويلزمونهم بها، ويتبدى دستور البوسنة والهرسك نموذجًا لتحويل الحقوق الدستورية للمواطنين إلى مهزلة، وقد شهد هذا الدستور المغتصب لحقوق المواطنين قدرًا كبيرًا من الانتقادات بشأن شرعيته على المستويات جميعًا؛ إذ انطلاقًا من استراتيجية التفكيك، جرى تقسيم البوسنة والهرسك إلى كيانين، هما اتحاد منظمات البوسنة والهرسك، وجمهورية الصرب، ولكل كيان برلمان خاص، وأيضًا دستور خاص، بشرط توافقه مع هذا الدستور، كما يضم الكيانان مناطق للحكم الذاتي، وسلطات فيدرالية، وهناك عشر سلطات إقليمية لكل منها قوة شرطة، وسلطات خاصة بها، ويدير هذه التقسيمات المعقدة مائة وستون وزيرًا، والرئاسة مؤلفة من ثلاثة أعضاء، عضو عن كل مجموعة عرقية رئيسية. لقد كرس الدستور التقسيم والتفتيت، والتسيد العرقي، بدلاً من بلورة شعور الانتماء الوطنى المتسامى بالمواطنة فوق الاختلاف، وتعزيز الحريات الإيجابية الفردية بإدخال المشكلات العرقية والدينية دائرة الخاص، التى يحكمها الضمير الفردي، لتكتسب الدولة حيادها بالنسبة إلى الانتماءات لكل سدنة العولمة الذين صاغوا الدستور ففرضوا ما يهمهم من النصوص الدستورية التى تستهدف تدويل تحرير التجارة، والاقتصاد المعولم، وعبور الاستثمارات للحدود، حيث نص الدستور على ضرورة تشجيع اقتصاد السوق، وكأن التاريخ المستقبلى قد انهارت كل رهاناته، وأصبح معقودًا على السوق وحدها، كما تتجلى استباحة العالم لتمرير العولمة، فيما نص عليه الدستور أيضًا من حتمية حرية الحركة فى كل أنحاء البوسنة والهرسك للخدمات، ورأس المال، والأفراد وأنه على البوسنة والهرسك والكيانات عدم اعتراض سبيل الحرية الكاملة لحركة الأفراد، والبضائع، والخدمات، ورأس المال، فى كل أنحاء البوسنة والهرسك، ولا يضع أى كيان قيودًا على الحدود بين الكيانات، وذلك ما حذر منه الاقتصادى الفرنسى الشهير آلان مينك، فى كتابه رأسمالية المساهمة من أن قواعد السوق راحت تخترق مساحات أوسع من الحيز الاجتماعي، عندئذ يتحول المجتمع, بالرضا أو الإكراه, إلى مجتمع سوق.
لا شك أن ثنائية الاستهلاك والأسواق الحرة المنفلتة هى محض آلية اقتصادية متوحشة، لا تستطيع أن تنتج إلا نفسها، ترتدى قناع النمو والتقدم، وتتغنى بالجدة والتنوع، وهى على الحقيقة استلاب للمجتمعات استهلاكيًا، بأن أقصت كل قيد وقاعدة وتدخل سياسى للدولة نهائيًا، بوصفها عائقًا للنمو والازدهار الاقتصادي، فى حين أن أهم أهدافها تحقيق الخصخصة، وتحرير التجارة، وخفض الإنفاق الاجتماعي، وتعزيز المسئولية الفردية، وأصولية السوق الممتنعة عن أى ضوابط حاكمة. والأشد جذبًا للانتباه أن الدستور قد تضمن مرفقات إضافية لخمس عشرة اتفاقية دولية، منها على سبيل المثال اتفاقية 1989 فى شأن حقوق الطفل، التى رفضت الولايات المتحدة التوقيع عليها؛ وذلك لغياب الحقوق عن مستحقيها؛ إذ لديها (17 ) مليون طفل دون أب وتحت خط الفقر، وغدت بالقسر والاستتباع على البوسنة والهرسك مشمولة بالنفاذ. تلك صورة لاغتيال الحقوق، وامتطاء الاتجار بالخير العام!.
إن المؤلف الأمريكى جورج ريتز، صاحب أضخم دراسة بعنوان، العولمة نص أساس، يطرح نبوءة تؤكد: أن العولمة سوف تستقر، ومن المحتمل جدًا أن تنمو وتتسع، إذ تتبدى هذه النبوءة الأكثر أمانًا داخل الاقتصاد الذى تعولم بأسرع من أى مظهر آخر من مظاهر العالم الاجتماعي. ترى هل يمكن قبول تلك النبوءة؟
لمزيد من مقالات ◀ د. فوزى فهمى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.